ننشر كلمة اليوم العربي للمسرح للفنان الفلسطيني فتحي عبدالرحمن

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ننشر كلمة اليوم العربي للمسرح للفنان الفلسطيني فتحي عبدالرحمن, اليوم الخميس 2 يناير 2025 12:33 مساءً

كتب- يسري حسان:

يلقي الفنان الفلسطيني فتحي عبدالرحمن، كلمة اليوم العربي للمسرح، وذلك في افتتاح الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي، التي تحتضنها العاصمة العمانية مسقط، وتنظمها الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة والجمعية العمانية للمسرح، في الفترة من 9 إلى 15 يناير الجاري.. وهذا نص الكلمة:
 


الزَّميلاتُ والزُّملاءُ شَريكاتُ وشُركَاءُ الإبداعِ، والعَطَاءِ، والحُلْم.
أقفُ أمامكمْ اليومَ وأنا أشْعرُ بالامتنانِ لإعطائِي حَقَّ الكلام.
هل ثَمَةَ من مُفْتَتَحٍ  للكلامِ يُوائمُ جَمَالَ المَقَامِ الذي يجمَعُنَا يعْلوَ على افتتاحِه بالقولِ إنَّ عَائلتي المَسْرَحيَّةِ الكبيرةِ هي التي رسَّخَتْ إيمانيَ بالمَسْرحِ وبالفُنونِ، وهي التي أسهمتْ في تعميق معرفتي الفكريَّةِ والجماليَّة وتوسيعها، وفي تمكيني من بلورة خياراتي الذَّاتية التي جعلتني أكثر إدراكاً لكينونتي الوجوُديةِ، ولقَضِيَّتي الوطنيةِ الإنسانيَّةِ العادلةِ، وذلك على نحوٍ أهَّلني لأنْ أكونَ أرسخَ التزاماً بأداءِ واجبي إزاءَ مسؤوليةِ الدِّفاعِ عن هُوِيَتِنَا العَربية الإنسانيَّة، وروايَتِنَا الحضاريَّةِ التَّاريخيةِ الراسخة، وإنْسانِيَّتِنَا الجوهريَّةِ الجَامعةِ؛ أي إنْسَانِيَّتِنَا التي تُسَاوي بين البَشَرِ، وتُجَنِّبَهُم الوقوعَ في فَخِّ العنصريَّة، والانْعزالِ، والنَّرْجَسِيَّةِ، وتضخُّمِ الذَّات.
وإنِّي لَمُمْتَنٌ، إنْ جَازَ الامْتنِانُ وبِإرَادَةِ الإيجابيِّ مِنَ الخُلاصَاتِ والنتائجِ، إلى "مَنْفَاي" القسريَّ المُتَشَعْبِ المَديدِ، الَّذي أسهمَ في توسيعِ نطاق عائلتي الإبداعيَّةِ المسرحيَّةِ الكبيرة، إِذْ فتحَ أمام خطويَ أَوسعَ المَداراتِ الثَّقافيَّة والآفاقِ الإبداعيَّةِ، وأتاحَ لي المزيدَ مِنْ فُسَحِ التَّعَلُّمِ، والاكْتشاف، والتَّجْريب، ومنحني مُشَاركاتٍ وفُرَصَاً معرفيَّةً جديدةً جعلتني أغزرَ معرفةً بمسرحيينَ مرموقين من أفراد عائلتي الكبيرة. 
وإنِّي لَمُمْتَنٌ لِلُمُخرجينَ والمُمَثلينَ والمَسْرحيينَ المبدعينَ العرب، الذين جَايَلْتُهُم، أو الَّذين تَتَلْمَذْتُ على أيديهم، أو الَّذينَ تقاسموا السَّير في الدُّروبِ الإبداعيَّةِ الشَّيقةِ، والشَّاقةِ، عَيْنِهَا، حَاملينَ مَشَاعلَ الإبداعِ، ومُبْحِرينَ في مَركبِ الفَنِّ السَّاحِرِ، فأُولئكَ هُمُ الرُّوادُ المُقاتلونَ في سبيلِ الحقيقةِ والحقِّ والجَمالِ والسُّمو والنُّبْل. إنهُمُ المبدعونَ الأفذاذَ الذين فتحوا أَمَامَ جِيْلِنَا آفاقَ الإبداعِ المسرحيِّ وأناروا دروبها المُتَشَعِّبَة وأحيازها المتشابكة، مُرتقينَ بذائقتنا الجَماليَّة، وحِرفَتِنَا الفنيَّة، وعلومنا المَسرحيَّةِ، ومَانحينَ لنا الثَّقةَ والقُدْرَةَ على الاستمرارِ، ومُحَفِّزينَ عُقولنا وملكاتنا على تجديدِ أفكارِنَا، ورؤاناَ، وأدواتِنَا الفنيَّةِ. أولئك هُمْ أساتذتنا الأجلاءُ المُبدعونَ الَّذينَ بذلوا قَصارى الجَهْدِ، وما كَفًُّوا عن الابتكار والإبداع، ليرتقوا بفنهم، ويُدَافِعُوا، بِصَفاءٍ رُؤْيَويٍّ ورهافةٍ جماليَّةٍ، عن قضايا شعوبهم، وذلك إعلاءً للقيمِ الإنسانيَّة السَّامية، وفي صلبها: العَدْلُ، والحَقُّ، والخَيْرُ، والحُبُّ، والجَمَال.
وإنِّي لَمُمْتَنٌ لجمهورِ مَسْرَحِنَا العربيِّ، الذي ما فَتِئَ حضُورُه وتفاعُلُه وتقديرُهُ للمسرح، يَبْعثُ الدِّفءَ في قلوبنا، فيُسعِدُنَا مثلما نُسْعِدُهُ، إذْ يشاركُنا الأملَ والتأَّملَ في أحوالِنَا، والاحتجاجَ والغضبَ على انتكاساتِنَا، وتراجعنا، وتخاذلنا، عندما تنتكسُ أُمَّتُنَا مقهورةً، أو تتراجعَ مُذَلَّةً، أو تتخاذلُ تحتَ وطأة سبَبٍ أو جملة أسبابٍ تضافرتْ لفعلِ ذلك. إنهُ الجُمْهُورُ العربيُّ المَتذَوِّقُ للإبداع المسرحيِّ، المُثابر على متابعة الأعمال المسرحِيَّة، والتَّاِئقِ لإبصارِ تجلياتِ تطوير المَسرح والارتقاء بهِ تأليفاً نصِّيَّاً، وإخراجاً، وتمثيلاً، وعلى جميع المستويات: الرُّؤيَويِّة، والجَماليَّةِ، والتِّقانية. 
إنَّهُ الجُمْهُورُ الذي لا يَزالُ يجرؤُ على الحِلْمِ، والضَّحكِ، والبكاءِ، والحزنِ، والفَرحِ، النَّابعِ من القلب، الجُمْهُورُ الذي يرفضُ القُبْحَ، والإسفافَ، والظُّلمَ، والأفكارَ الظَّلاميَّةَ العمياءَ، وكَذِب َالسِّيَاسيين ونفاقهم. 
إنهُ الجُمْهُورُ الذي إليهِ أرفَعُ عَمِيقَ الامتنان وأصدقَهُ، لكونهُ هُوَ دون أيِّ كينونةٍ وجوديَّةٍ سواهُ، مَنْ يُعطي للمَسْرحِ جوهَرَهُ الحَيويَّ، ومَعْناهُ، ومبرر وجوده في الحَياةِ التي هي المَسْرحُ الإنسانيُّ الكونيُّ الدَّائمُ، وهُوَ، إلى ذلك، ّاليَنْبُوعُ التحفيزيِّ الذي يرفدنا في تعزيز التَّآلفِ الإنسانيِّ بين البَشَر، وفي تأهيلهم للانخراط في حياة إنسانيةٍ تقوم على الإخاءِ، والعَدل، والمحبَّة، والنِّديةِ المُتكافئة، والتَّعاونِ التَّبادليِّ، والتّنَوِّع الإنسانيِّ الخَلَّاق.
المَسْرَحُ عِشْقُنا، وبهجتُنا، وخيمتنا الدَّافئةُ التي نستظلُّ بها، وفي رحابها نبوحُ بِأَفْكارِنَا، وأسرارِنَا، وكُلِّ مشاعرِنَا. إنَّهُ حياتُنَا التي نَحْلُمُ بإبداعها وعيشها، وهو حُلْمُنا التَّخيُّليُّ الدَّائِبُ بكيفيات بناءِ عالمٍ بشريٍّ أبْهَى وأَجْمَلَ، أو، على الأقلِّ، عالمٍ بَشَرِيٍّ أقلَّ وَحْشَةً، ووحشيَّةً، وعُنصريَّةً وفاشيَّةً، ومُعَاداةً للإنْسَانيَّة! 
ومَا المَسْرحُ، في هذا الضَّوء، إلَّا حَيَاتُنَا المُوازيةُ، وإلَّا سَعيُنَا اللَّاهبُ لاستقطارِ الجَوهرِ الإنسانيِّ من أصلابِ الوجودِ البشريِّ، وذلك على نحوٍ يُمَكِّننا من توحيد المجتمع الإنْسَانِيِّ، ومن تجليةِ وجودنا الجوهريِّ في الوجودِ بَشَراً إنْسَانِييِنَ أحراراً كُرماءَ، أُنَاسَاً أسوياءَ متحَضِّرِينَ مُتَسَاوينَ ينتمونَ إلى إنْسَانيتهم الجَوهريَّة الجَامِعة، بلا أدنى تمييزٍ عُنْصُريٍّ هَمَجِيٍّ تَوَحُّشيٍّ قَمِيْئٍ يتأسَّسُ على العِرْقِ، أو الجِنسِ، أو اللَّون، أو اللُّغةِ، أو الدِّينِ، أو المُعْتقدِ، أو الرَّأي، أو الأصل الوطنيِّ، أو الوضع الاجتماعيِّ، أو الوضعِ السِّياسيِّ أو القانونيِّ، أو لأي سببٍ، أو عنصرٍ، أو عامل، أو وضعٍ، تمييزيٍّ، آخر!
نَعَمٌ إِذَنْ، وألفُ نَعَمٍ ونَعَمٍ لِلْمَسْرحِ الذي هُوَ مِخْيَالُنَا، ومجالُ إبداعُنَا، ومُتْعَتُنَا، وجُنُونُنَا العبقريُّ الخَلَّاقُ. 
نَعَمٌ إِذَنْ، وألفُ نَعَمٍ ونَعَمٍ لِلْمَسْرحِ الذي هُوَ شُرْفَتُنَا التي نُطِلُّ منها ومَعهَا، وبِعُيُونِهَا اليقظةِ، وعُيُونِنَا المفتوحةِ على  وُسْعِهَا، على العَالمِ الشاسِعِ، لنطرحَ الأسئلةَ، ولنتعلَّمَ الحِكْمةَ، ولِنَعِشَ الحبَّ، ولِنَقْرأَ التاريخَ، ونَسْتَلْهِمَ دُروسَهُ، فيما نَحْنُ نُدركُ حقائقَ الواقعِ القائمِ ونَسْتقْرئُ ممكناتِهِ، ونستشرفُ آفاقَ المُسْتَقْبلِ المَنْشُودْ. 
فَهَلْ ثَمَّةَ، بالنِّسْبَةِ إلينا، مِنْ مَجَالٍ إبداعيٍّ حَيَويٍّ ُضَمِّدُ به، وفي رحَابهِ، جِراحَ أرواحِنَا، وأرواحَ المَكْلُومِيْنَ المُتألمينَ المحرومِيْنَ المخذولِيْنَ، إلَّا المَسْرَحِ الذي إليه ننتمي، والذي نوسِّعُ، بإبداعاتنا، آفاقهُ ورحابَ مداراته، فيما نحنُ ننتصرُ لحُرِّيتِنا وكرامتنِا وحقوقِنَا، ولِحُرِّيَّة أهلِنَا وكرامتِهِمْ وحُقُوقِهِمْ. وما هذا الانتصارُ، في جوهرهِ العميق، إِلَّا انتصاراً لكل ما هو جميلٌ ونبيلٌ وأصيلٌ وعادلٌ، أي انتصاراً للإنسانية في مواجهة التَّوَحُشِ البشريِّ بشتَّى تجسُّداتهِ الظَّاهرة ومُضْمَراته الآيلةُ للانْكشاف؛ هل ثمَّة من مجالٍ إبداعيٍّ لاجتراحِ كل هذا الفعل الإبداعيِّ الزَّارعِ بذورَ الأملِ في الوجدان الوطنيِّ والإنساني الجَمْعيِّ للشُّعوبِ المستهدفةِ بالإبادة الجماعيَّة الصُّهيوأمريكيَّة، ولكل المُعَذَّبِيْنَ في الأَرْضِ مِنَ الإنسانيينَ مِنَ النَّاسِ، إلَّا المَسْرَح؟! 
يُعَلِّمَنَا المَسْرحُ الإصغاءَ والتَّأَمُّلَ، والتَّفَاعُلَ الحُواريَّ، والأخذَ والرَّدَ، واحترامَ الاختلافِ وقُبُولَ النَّقْدِ، وتنظيمَ الاشتباكْ. ولَيْسَ مَسْرَحاً حقِيقيَّاً، ذلكَ المَسْرحُ الَّذي لا يُؤَسِّسُ نَفْسَهُ على قُبُولِ الاخْتِلافِ الخَلَّاقِ، والتَّعدُّديَّةِ الثَّقافيَّة المُثْمرةِ، والتنوُّع الإنْسَانيِّ. ولَيْسَ مَسْرَحاً حقِيقيَّاً، ذاك الَّذي لا يَنْتَصِرُ لقضايا الإنْسَانِ، وللمَبَادِئ والقِيمِ الإنسانيَّة السَّاميَةِ، وفي صُلبها: الحُرِّيَّةُ، والكرامةُ، والحَقُّ والعَدْلُ، والمَحَبَّةُ، والجَمَالُ، وغيرها من المَبَادئِ الإنسانيَّةِ، والقيمِ الأخلاقيَّةِ التي لا تجعلُ العَيْشَ على كوكبنا مُحْتملاً، ومُتَوازناً، وقابلاً للاستمرار ِوالازدهارِ، فَحَسْبُ، بل كذلك تجعلهُ مُبْهِجَاً سعِيْدَاً وذَا قيمةٍ حَياتيَّةٍ، ودَلالةٍ إنْسانيَّةٍ، ومَعْنَىً وجودِيٍّ. 
أيَّتُهَا الزَّمِيلاتُ، أَيُّهَا الزُّمَلاءُ
إنْ أردنا الاستمرارَ في إبداعنَا المَسرَحيَ الناهضِ على التَّواصلِ المُسْتَمِرِ مع جماهيرنا على نحو يُفْضِي إلى تحقيقِ غاياتِنَا المُشتركَة، ويَحُولُ دونَ انعزالنا عن جماهيرنا، فما علينا إلَّا أنْ نَمْتَلِكَ شَجَاعَةَ الانتصارِ لِلْحَقِّ والعَدْلِ في نصوصنا مهما تَسَيَّدَ الباطلُ واسْتَبَدَّ الظُّلْمُ. وما علينَا إلَّا أنْ نفتَحَ أفكارنَا، ونصوصَنَا، وعُروُضَنَا وتقنياتِنَا المَسْرحَّية، على التَّجديدِ الدائمِ والابتكارِ الدَّؤوبِ، بمُثابَرةٍ حثيثةٍ، واجتهادِ لا يُحَدُّ ولا يَسْتَكِينُ، وذلكَ لأنَّ حياةَ المَسْرحِ، ورقُيَّهُ، وازدِهَارهِ، وتنامي فَاعِلِيَّتِهِ وتصاعُدِ تأثيره في حياةِ المُجْتَمَعَاتِ الإنْسَانيَّةِ والنَاسِ، إنَما تتوقَّفُ على التَّحديثِ، والتَّجديدِ، والابتِكَارِ، لا على التَّقليد، والتِّكرارِ، والاجترار. وليسَ لأيٍّ من مُكَوِّناتِ الثَّالوثِ الإبداعيِّ التَّأْسيسيِّ أنْ يُسَوِّغَ لنا الإقْدامَ الأَهوَجِ على قَتْلِ آبائِنَا، وأساتِذَتِنَا، ومُعَلِّمِيُنَا وكُلِّ مَنْ تَتَلْمَذْناَ على أَيْديهِم، أو صِرنا مُريدينَ لهُم ونَحْنُ نستلهمُ تجَاربِهُمْ الثَّريَّة، ونسترشِدُ بِتبصُراتِهُم المعرفيَّةِ والجَمَاليَّة المُعَمَّقَةِ، ونستَضِيْئُ بأنوارِ رؤاهُم المُسْتَقْبَلِيَّةِ المُشْرِقَةِ ونَحْنُ نأَخذُ عنهم المَسْرحَ بأكملهِ، وبشتَّى مُؤسِّسَاتهِ الجوهريَّة، ومُكَوِّناتهِ القائمةِ والمُمْكنةِ، فأولئكَ هُمْ الرُّوادُ الخَلَّاقُونَ الذينَ أضاؤوا؛ بعطائهم الإبداعيِّ الاستثنائيِّ، مَشَاعِلَ المَسْرحِ، وأُولئكَ هُمُ الآباءُ المُؤسِّسون، وأبناؤهُم، وأحفادهم، الذين بذلوا كل جهدٍ إبْداعيٍّ يَستطيعُونَهُ على طريقِ فتْحِ أبوابِ الدُّروبِ والسُّبُلِ المُفْضِيَةِ إلى ترسيخِ وجودِ المسرحِ، وتعزيز فاعليته، بوصفه مجالاً إبداعياً حَيَويَّاً ليسَ بمقدورِ الإنسانيَّة أنْ تَهْجُرهُ، أو أنْ تتوقفَ، للحظَةٍ، عَنِ إدراكِ حَاجتها الجوهريَّة المَاسَّة إلى وُجُودهِ.
وإذا كانت غايتُنا الارتقاءَ بالوعي ونشرَ الجمالِ والقيمِ السَّامية والتذوقِ الفني، فإنَ الجمهورَ هُوَ هدَفُنا، فهوَ حجرُ الأساسِ الذي به، ومعه، يكتملُ المعنى، وتكتمل البهجة، ولذا يجبُ علينا الذَّهابُ إليه حيثُ يكونُ، إنْ هُوَ لم يحضُرْ من تلقاءِ نفسه،  جرَّاء سببٍ أو آخَرَ، إلى المَسْرح؛ فلنذهبْ نحْنُ إلى ملاقاتهِ في ضَواحي المراكزِ الحضاريَّة والمُدنِ، وفي البلداتِ والقُرى، والمُخيماتِ، ولنُمْعِنِ في تعزيز الاتصالِ به، وفي التَّواصلِ الحيويِّ الدَّؤوبِ مَعَهُ، وفي تقديمِ أكبرِ عددٍ من العروض المسرحيّةِ إليه، وإلَّا سينُحَسرُ المسرحُ في العَواصمِ، وفي المَهرجاناتِ المَوسميَّة.
ليسَ ثمةَ من سبيلٍ أمام المَسْرحِ للاستمرارِ في أداءِ رسالتِهِ، التي هي رسالتنا كَمَسْرحِينَ أوفياءَ، دونَ الاحتفاظِ بالجمهورِ، عبر الالتزام بالتعبير الصَّادق عن أحواله الحياتيَّة، ومكابداته، وأشواقه، والحرصِ على الارتقاءِ بوعيه الجَماليِّ وذائقتهِ الفنيَّة، وتوسيعِ قاعدته وتعميقها، وضمانِ مشاركته التَّفاعُليَّة الخلَّاقة، وذلكَ بالذَّهابِ المُتَواصِلِ، بلا أدنى انقطاع، إلى الَّناسِ، عَبْرَ تنظيمِ جولاتٍ ميدانيَّةٍ للعروضِ المَسْرحيَّة، المتلازمةِ مع تنظيمِ حلقاتِ نقاشِ، وحواراتٍ مع الجمهور، عقبَ كل عرضٍ مسرحيٍّ.  ونَجعلُ من عروضنا في المدنِ، ولا سيَّما في المسارح المجهزة، حدثاً فنياً وثقافياً يُتَوِّج جولاتنا الميدانيَّة وجهودنا المتعلقة بالذَّهاب إلى الناس، وينتصرُ للمَسْرحِ كَظاهرةٍ حضاريَّةٍ ذاتِ رسالةٍ إنسانيَّةٍ ساميةٍ.
على مدى الخمسينَ عاماً الماضيةَ، تطور العِلمُ والاخْتراعُ، إذْ تصاعدَ الانفجارُ المعرفيُّ، واتسعَ نطاقُ ثورةِ الاتصالات، والرَّقْمنَة، واجتاحت التِّقانَةُ الحديثةُ، وما بَعْدَ الحديثة، عالمنا، مهيمنَةً على حياتِناَ، وعلى عقولِنا وعقولِ الشَّبابِ والفتيانِ والأطفالِ،  فبتنا نلهثُ لِلِّحاقِ بالابتكارات التِّقانيَّةِ المُذْهلة، والمُمْتِعَة، والتي شرعتْ تُجَسِّدُ هيمنةَ أصحابِهَا ومُطْلِقيها، هيمنةً شبه مُطْلقةٍ، على العالم الفضائي الافتراضي، وذلك على نحوٍ يُواكبُ هيمنتهم شبهِ الشَّاملةِ، وشبه المُطلَقَةِ، على العَالم الواقعيِّ، ويُعزِّزها، ويعملُ على تأبيدها!
ومهما يَكُنْ من  أمرِ هذه التطوراتِ والتَّحولاتِ التِّقانيَّة وتأثيراتها السَّالبةِ والمُوجَبَة، فقد كَانَ لها، في سياقِ كلامِنَا عن المَسْرحِ ومتعلقاتِهِ ولوازمه، أنْ تُسَهَلَ التواصل بين ملايين الشباب، وأنْ تمكنهم من الوصول السَّريع لما يشاؤن امتلاكه من معارف ومعلومات، وأنْ تتيحَ لهم فُرصَاً غير محدودةٍ، وغير مُقيَّدةٍ، للتَّعبير عن أنفسهم وأفكارهم، من خلالِ الكمبيوتر والمُوبايل كوسيلتينِ تِقَانِيَّتَنِ جديدتينِ تيسرانِ تحقيق انتشارٍ واسع، وتبادل سريع للمعلوماتِ والأفكارِ والتصوراتِ والآراءِ والرُّؤى.  
وهكذا كَانَ للتَّطورات والتَّحولات التِّقَانِيَّة الحديثة، أنُ تجتاحَ المَسْرحَ الذي ابتكرهُ الإنُسانُ منذ ما يربو على خمسة وعشرينَ قرناً؛ ولم يكن أمام المسرحِ المُعاصر والحديثِ إلا أنْ يتأقلمَ مع الشُّروطِ الجديدة التي خلقتها هذه التَّطورات والتَّحولاتِ التِّقَانِيَّة المُتسارعةِ على نحوٍ مُذْهِلٍ، وإلا أنُ يفيدَ مما جاءت به من اختراعاتٍ وابتكاراتٍ، وأنْ يستغلَّا الكثير من الوسائط والوسائل التقانيَّة في تِقْنِياتِهِمَا وأساليبِ عملهما، كاستبدال الدِّيكور بالإضاءة، وتحديدِ مداخلِ المُمَثِّلينَ ومَخارجهِم دون وجودِ الكواليسِ، واستخدامِ الخرائطِ والصُّورِ والتَّسجيلات الصَّوتيَّة والمرئيَّة، وغيرها من عشراتِ الاستخداماتِ الجماليَّة والوظيفيَّة، وهو الأمر الذي يُوجِبُ مواكبةَ الابتكاراتِ التِّقَانِيَّةِ مواكبةً حثيثةً، والإقدامَ، وفق المُقتضىيين: الرُّؤيويِّ، والجَماليِّ، على تجريبها في المَسْرحِ، وذلك تأسيساً على التَّخلي الحاسِمِ عن فكرةِ تجاوزها، وإهمالها، وإنكار وجودها.
أَيَّتُها الزَّميلاتُ أَيُهَا الزُّملاءُ
أما عَنْ خُلاصاتِ تجربتي المَسْرَحيَّةِ المُلازِمَةِ تجربتي الحياتيَّة الوجوديَّة، بلا انْفِصَامٍ، فَلعلي أوجزُ الإشارة إليها بالقولِ إنِّي وُلِدْتُ في مُخَيَّمٍ للاجئينَ الفِلَسْطِينِيِّنَ، ودرستُ في مدارس وكالة غوثهم وتشغيلهم: الـ"أُونروا UNRWA". وفي المُخَيَّمِ كانَ لي حظُّ مُشاهدةِ أوَّلِ مسرحيَّةٍ في حياتيَ التي بلغتُ وإيَّاها السَّبعينَ عاماً ونَحْنُ نتنقَّلُ، مُتلازِمينِ، مِنْ مُخَيَّمِ لِجُوءٍ قَسْرِيٍّ إلى آخَرَ، سَواءٌ خارجَ الوطنِ الفِلَسْطينيِّ المُحتَلِّ أو داخِلهِ. وهكذا وَجَدْتُنِي، مع كل تجربةِ انتقالٍ تفرضُها الحَاجَةُ المَاسَّةُ، أَحْمِلُ كُتُبِيَ، ونُصُوصِيَ المَسْرحِيَّةُ إلى أينما ارتَحَلْتُ، وإلى حَيْثُما رُحِّلْتُ، لأبدأَ، مراراً وتكراراً مِنْ جَديدٍ، آملاً أنْ يتحقَّقَ الحُلْمَ بالعودةِ إلى فِلَسْطينِ الوطنِ، وطن الحريَّة، والكرامة، والاستقلال.
وعندما عُدْتُ إلى وطني، عُقبَ توقيع "اتفاقيات أوسلو"، وجدتني أعودُ إلى أَكْبَرِ وأَعْتى سِجْنٍ عرفهُ التاريخُ، فَتابعتُ خطوي في درب الآلام المديد، كما تابعتهُ في مخيماتِ اللُّجُوءِ القَسْريِّ وبلادِ الشَّتاتِ. 
والحقُّ أَنَّني لم أجِدْ مُخَلِّصاً صَادِقاً غيرَ المسرحِ لِينْقِذَنِي من غُربتي، ووحْدَتي وقَهري، دأبْتُ على حَمْلِ خشبةِ مَسْرحِي المُتَنَقِّل على ظَهري، ورحْتُ أتنقلُ، وإياهُ، مِنْ موقِعٍ إلى آخَرَ من بينِ مئاتِ المَواقع في البلداتِ، والقرى، والمخيمات، فَوَجدْتُني أُمْعِنُ في التَّفاعُل مع من يُعَانُونَ بُؤسَ العيش ومرارةَ القهْرِ، وهَوانَ التَّمييز العنصريِّ، وغشامةَ استبدادِ جيشِ الاحتلالِ الصهيونيِّ، وضراوةِ تَوحُّشِه.
وهكذا أدركتُ، عبر صيرورة هذه التَّجْرِبَة المفتوحةِ، حَجْمَ الظُّلم الذي تعرضَ لَهُ زملائي وزميلاتي، المنتمون والمنتميات إلى المسرحِ بأوسَعِ معانيه وأعمقهَا، في المَعَازلِ الإجباريَّة القهريَّة التي فُرِضَتْ عليهم؛ إذْ عَايَشْتُهُم وهُمْ يُقَاتِلُونَ، بِصُدورِهُمُ العَاريةُ، من أجلِ أنْ يكونَ لهم مَسْرحٌ يُجَسِّدُ سرديَّتَهم الفلسطينيَّةَ الإنْسانيَّةَ الحضاريَّةَ التَّاريخيَّة المُؤصَّلة، ورؤاهم المستقبليَّةَ المفتوحَةَ على مستقبلٍ فلسطينيِّ إنسانيٍّ مفتوح، وهو مَا يُوجِبُ امتلاكهم، وممارستهم، في الحدِّ الأدني، حُقَوقَ: الحَياةِ، وحريَّةِ التَّنَقُّل، والتَّعبير، والوصولِ إلى المَعرفةِ، وفي صُلبها المعرفةِ المسرحيَّة، ناهيكَ عن حُقُوقِ التَّعَلُّم، وتبادلِ الخبراتِ، والوصولِ السَّلِسِ إلى المؤتمراتِ والمهرجاناتِ والنَّدواتِ وورشاتِ العملِ دُونَ عوائقَ مُفتَعَلةٍ يُرادُ لها أنْ تحولَ دونَ المُشَاركة الحيويَّة فيها.
وإلى ذلك، لم يَكُنْ لِسُؤاِلنَا الحَيَاتِيِّ الوُجُودِيِّ الدَّائِمِ، كَمَسْرَحِيِّنَ فِلَسْطِينِيَّن داخلَ الوطنِ المُحْتَلِّ وفي مُخيَّمَاتِ اللُّجُوء القسريِّ وبلاد الشَّتات، أنْ يختلفَ، بأيِّ قدرٍ، عَنْ سُؤالِ شَعْبِنَا الحَيَاتِيِّ الوُجُودِيِّ الدَّائِمِ، الَّذي هُوَ: مَتَى يُرفَعُ الظُّلمُ الاستعماريُّ الاحتلاليُّ الثَّقيلُ عَنْ صَدرِ أرضِنَا، وعَنْ صُدُورِنَا، وعَنْ صُدُورِ أجيالِنا المتلاحقةِ منذُ ما يَربُو على ستةٍ وسبعينَ عاماً خَلَتْ؛ متى ينتهي هذا الكابوسُ الإمبرياليُّ الاستعماريُّ الصهيونيُّ الأسودُ القابضُ، بتوحُّشٍ منقَطِعِ النَّظيرِ، على رُوْحِ فِلَسْطِيْنَ، وشَعْبِهَا، والإنْسَانيَّةِ بأْسْرِهَا؟ 
وما من دليلٍ ماديٍّ، شَامِلٍ على التَّوحُّشِ البَشَريِّ الاستعماريِّ الصُّهيونيِّ الأمريكيِّ في الهمجيَّة، بأسْطَعَ، وأشَدَّ إبهاراً وإقناعاً، مِمَّا تبثُهُ بعضُ قنواتِ وكالاتِ الأنباءِ، وشاشاتِ التَّلفزة العَالمِيَّة، ومَا تلتقطهُ كاميراتُ الصَّحافيين، ومُوبايلاتُ شُهُودِ العِيَانِ مَنْ فُصُولِ، وحلقاتِ، وتجلياتِ، جرائمِ التَّدميرِ الحَضَاريِّ الكُلَّيِّ، والإبادةِ الجماعيَّة، الَّتي يقترفُهَا الكيانُ الاستعماريَ الوظيفيُّ المُدَجَجُ بالسِّلاحِ الأمريكيِّ والمُسَمَّى "دولةُ إسرائيل"، منذُ ما يربو على عَامٍ ونحو شهرين، ضدَّ شَعْبيِّ فِلَسْطينَ ولبنانَ، المستهدفين بالإبادة الجماعية والتهجير القسريِّ مع استهداف أرض وطنيهما، بالسَّلْبِ والسرقة والمُصادرة والاحتلالِ، وادِّعاءِ الملكيَّة استناداً  إلى وعْدِ "ربِّ الجُنُودِ" التَّوراتيِّ التَّلموديِّ.
فهلْ لكائنٍ بشريٍّ صَيَّرَ نَفْسهُ، بصبرٍ وأناةٍ وجهدٍ مثابرٍ، إنْساناً حَقِيقيَّاً أنْ يغضَّ الطَّرفَ عَمَّا قد أبصرتْهُ، ولم تزلْ تبصرهُ عيناهُ، على مدى الدقائق والثواني التي شكلت عاماً كاملاً ونحو شهرين، عبرَ البَثِّ الحيِّ، من مذابح ومجازر ترتكبُ، بلا أيِّ وازعٍ، بحق المدنيينَ الفلسطينيينَ واللُّبنانيينَ.
وهل لي أنْ أُشيرَ إلى عشراتِ الآلافِ من الأبرياء الذينَ أُزهَقَتْ هذه الـ"إسرائيلَ" أرواحهم، وإلى الآلافِ الذينَ طُمرتْ أجْسَادُهُم، حيَّةً أو جثامينَ، تحتَ أنقاضِ بيوتهم التي تمَّ تدميرها فوقَ رؤوسهم؟! وهل أُذكركم بالمدنيين الفلسطينيينَ مِنَ النِّساءِ والأطفالِ والعَجَائزِ والشُّيُوخِ الذينَ أُحْرِقُوا أحْيَاءً في بيوتهم، وفي  مآوي لُجُوئِهِمْ، وفي خِيَام نُزُوحِهِمْ، والَّذينَ قُتِلُوا، بِبُطءٍ وتلذُّذٍ سَاديٍّ، بأيدي جُنُودِ "ربِّ الجُنودِ" الصَّهاينةِ الذينَ أمعنوا، إنْفَاذاً لأمرهِ الشَّيطَانيِّ، مع منطلقاتِ آيديولوجيتهم العنصريَّة، ونوازعهم الشِّريرةِ، ورغباتهم الغريزيَّةِ المقيتَة، في إِظْمَائِهِمْ، وتَجْويعِهِمْ، وتعريضهم لأعْتَى الأمراضِ، بحرمانِهم، حرماناً كُلِّيَّاً، مِنَ المَاءِ، والطَّعامِ، والدَّواء؟! 
وهَلْ لي أنْ أُسْهِبَ فَأُذَكِّركُمْ بما أُدْرِكُ أنَّكُمْ لَنْ تَنْسُوهُ أبداً، من تَدْمِيرٍ حَضَاريٍّ طالَ مِئَاتِ آلافِ المَسَاكِنِ والبُيوتِ، وآلافَ مَبَانِي دُور العبادةِ الإسلاميَّة والمسيحيَّة، ومئاتِ المُستشفياتِ، والمدارسِ وعشراتِ الجامعاتِ والمؤسَّسَاتِ التَّعليميَّةِ والتَّربويَّة، والمراكز الثَّقافيَّة، والنّوادي والملاعبِ والمراكز الرياضيَّة، حيثُ جرى تدميرُ كُلِّ هذه المَبَانِي فوقَ رُؤوسِ قَاطنِيهَا، والعَامِلِينَ فيها، والآوِيْنَ إليها.
ولَستُ أحسبني في حاجَةٍ للإفصاحِ لكمْ، إلى حقيقة أنَّ تعرفونَ الآنَ، وتُسَمُّون بلا ترددٍ، كُلَّ مَنْ سَلَّحَ، ومَوَّلَ، وأيَّدَ، وبَاركَ، ما اقترفته "إسرائيل" من جرائم حربٍ وجرائم ضدَّ الإنسانيَّة والإبادة الجماعيَّة.  
ولا أحسبُ إلَّا أنْكُمْ قادرونَ على، وذاهبونَ إلى، تسميَةِ كُل من صَمَتَ على اقترافِ هذه الجرائمِ من دولٍ وكياناتٍ سياسيةٍ وظيفيَّةٍ، فيما أنتم تُسَمُّونَ، مباشرةً وبلا ترددٍ، الكيانَ السِّياسيَّ الامبراطوريَّ الإجراميَّ التَّوحشيَّ الذي وفَّرَ السِّلاحَ، والمَالَ، والَّتغطيةَ الإعلاميّةَ، والحَصَانةَ السِّياسيةَ، والدُّبلوماسيَّةَ، والقانونيَّةِ لـ"دولةِ إسرائيل" صانعةِ كُلِّ هذا الخرابِ والموتِ، ومُقْتَرِفَةِ هذهِ الجرائمِ التَّوحُّشِيَّةِ غَيْر ِالمَسْبُوقَةِ في تاريخ البَشَرِ! 
وإني لأحسبُ أنَّني أُصغي الآنَ لمَا تُصْغونَ إليهِ بِصُحْبةِ الإنسانيينَ الأحرارِ من قاطِني العَالم، مُعْتنِقي قِيَمِ العَدالةِ والمُسَاواةِ والمَحَبَّةِ والسَّلامِ، من أسئلةٍ تُحاكي ما يمُورُ في وجداننا الجمعيِّ من هُمُومٍ وأفكارٍ وانشغالاتٍ وأشواقٍ، ومَنْ تحدياتٍ وتوقعاتٍ وأشكالِ استجاباتٍ يتوجَبُ تفحُّصِهَا، بِعُمْقٍ وصفاءٍ، لكونها تدلُّنا على مَاهيَّةِ، وهُوِيَّة، العَالمِ الآيلِ إلى الانبثاقِ في قَادِمِ الأيَّام؛ 
▪ هَلْ عَادَتْ قضيةُ فِلَسْطِينَ لتَحْتَلَّ موقِعَهَا في صَدارةِ القَضَايا التي تَهُمُّ العَالَمَ، والتي يؤيدها ما يربو على خمسةٍ وتسعينَ في المائةِ مِنْ قاطِنيْهِ، أم أَنَّهَا في بُرهَةِ الذَّبْح الأخيرِ المُفْضي إتْمَامُهُ إلى تصفيتها، وإنْهاءِ وجودها، لصَالحِ هيمنةِ التَّوحُّشِ الصُّهيونِيِّ الأمريكيِّ هيمنةً مُطلقةً على مَقادِيرِ العَالَمِ، وثرواتهِ، ومُقَدَّراتِهِ، ومَصَائِرِ شُعُوبِهْ؟
▪ هَلْ أدركتِ الأجيالُ الجديدةُ زِيْفَ التاريخِ، ومراوغتهِ، وخداعه؟ وهَلْ عرفَتْ، بوضوحٍ ساطِعٍ، حقيقة القوى الَّتي تَحْكُمُ العالمَ، والوسائلَ والأساليب الَّتي تستخدمها لإحكامِ قبضتها عليه؟
▪ أَما زالتِ المُنَظَّماتُ والهيئاتُ الدَّوليةُ قادرةً على تولِّي مسؤلياتها، والاستمرارِ في أداءِ وظائفها، والنُّهوضِ بواجباتِهَا الأساسيَّة، بَعْدَ أنْ ثَبَتَ فَشَلُهَا، واتَّضحَ عَجْزُهَا عَنِ الوفاءِ بما أُنشئتْ لأجلِ الوفاءِ به؟
▪ هل يُمكِنُ للعالم أنْ يستمرَّ في قُبُولِ استمرار الاحتلالِ الإسرائيلي لأرضِ فلسطين، واستمرار عيشِ الفلسطينيين تحتَ وطأة هذا الاحتلالِ العنصريِّ الفَاشيِّ، كأسْرى مُقيَّدين، وكمنفيينَ مُحاصَرينَ، في أرضٍ من أرضِ وطنهم المَسْروق؟
▪ كَمْ من الوقتِ، والأجيالِ، سيحتاجُ الفلسطينيونَ للتَّشافِي من الخَوفِ، والكراهية، والحقدِ، والرَّغبة العارمَةِ في الانتقام والثَّأر، ومِنَ اليأسِ والقنوطِ وفقدان الأمل، والصَّدمَاتِ والأمراضِ النَّفسيَّة؟ وما هي الشُّروطُ والمتطلبات الواجبِ توافرها لتمكينهم، في واقعهم القائمِ وعبر أجيالهم المتلاحقةِ، من التعافي عبر التَّخلُّصِ النِّهائي من الاحتلال الصهيوني الذي هُو أِسُّ كل هذا البلاء؟
▪ هَلْ يُمْكِنُ "إصلاحُ العَالم"، في ظلِّ اتِّضاح حقيقة أنَّ المُهيمِنينَ عليه، والمُتَحكمين في شؤونه، والمُسْتَبِدِّينَ بشعوبه، والقابضينِ على أزمَّةِ مستقبلهِ، هُمْ رأسماليونَ جَشِعُون مُتَوحِّشونَ، وساسةٌ فاسدون، ومجانينَ، ولصوصٌ، ومجرمونَ وَحْشِيُّونَ، وهمجيُّونَ عُنْصُريُّون؟
ولا أحسبُ أنَّ في مقدورنا، كَفنانينَ مسرحيين ومبدعينَ، أن نتراجعَ عن غايَتِنِا المُسْتَدَامةِ المتمثلة في الاستمرار في المساهمة في "إصلاح العالم"، و"إصلاح أنفُسِنَا"؛ وما ذلك إلَّا لأنَّنا لا نملِكُ القُدْرة على خِيانَةِ إنسانيتنا التي أدركنا جوهرها عبر نضالٍ وجدانيٍّ شاقٍّ ونبيلٍ. إنَّنَا لَنَرْفُضُ بملءِ إرادتنا، وكاملِ استعدادنا للتَّضْحيَةِ والبذل، الاستسلامَ للظُّلُمِ والإذعانَ للظَّالمين؛ ذلكَ أَنَّنَا نعتنقُ حُرِّيَّةَ الإنسانِ، ونُؤمنُ، إيماناً قاطعاً، بِكَرامَتِهِ الإنْسانيَّة، ونُسْهِمُ عبر إبداعاتنا، وقدْر وسعنا وجهدنا، في تمكينِ الكائناتِ البشريَّة من التقاطِ بذورِ إنسانيَّتها الكامنةِ في أعماقها، ومنَ الاستمرارِ في تعهُدها بالرِّعايةِ والإنضاجِ حتى تُونِعَ، وتبرعمَ، وتَسْمَقَ وتُثْمِرَ، إلَّا أنْ يرفضَ الظُّلُمَ، والاستعمارَ، والاستبداد، وإلا أنْ يقفَ بصلابةٍ في وجهِ وجوه وتجليات التَّوحُّش البشري وفي صُلبها الجشَعُ والاستغلال الرَّأسماليِّ، والتَّمييزِ العنصريِّ، والحروب الاستعماريَّة، وذلك ليكون بمقدوره الاستمرار في سعيه اللَّاهبِ لتوحيد الإنسانيَّةِ، وتعزيز لُحمَةِ وتَضَافُرِ جميع قواها في مواجهة التَّوَحُّشِ البشريِّ الصُّهيوأمريكيِّ، وفي الدِّفاعِ الحازمِ عن القيم والمبادئ، والحقوق، والحريات الأساسية، الإنسانيَّة، وفي مقدمتها  الحرية، والكرامة، والحقيقة، والعدالة، والمساواة، وحقِّ كل شعب من الشُّعوب في الحياةِ، والوجودِ، وتقرير مصيره بنفسه في رِحَابِ وطنه، وفوق أرضه الحُرَّة السيدة.
وفي هذا الضَّوء، لن يكونَ لأيِّ لإنسانٍ حقيقيٍّ من خيارٍ يُفصحُ من خلاله عن إِنسانيَّته إلَّا خيار الاصطفاف الحاسم مع فِلَسْطين: أرضاً، وشعباً، وحضارةً، وتاريخاً، وكونها تسعى لتحرير وطنها من احتلال صُهيونيٍّ طالَ أمدهُ، وحانَ وقْتُ دَحْرهِ، والخلاصُ منه.  
إنّ قضيةَ فِلَسْطينَ لَقضيةٌ سياسيَّةٌ وطنيَّةٌ، وإنسانيَّةٌ كونيةٌ، بامتياز، فهي قضِيَّةٌ وثيقةُ الصِّلة بمناهضةِ شُعُوبِ العَالمِ للحربِ، والنَّهبِ، والتَّدميرِ، الهتكِ والفَتْكِ والابادة. ولكنَّ سِرَّ بقاءِ القضية الفلسطينية الذي عجزت الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي الأوروأمريكي عن إدراكه، إنَّما يتَجَسَّدُ في العُرى الوُثْقى التي تربطُ الشَّعبَ الفلسطينيَّ بأرضِ وطنه، وتاريخه، وحضارته، وفي إيمانه بقضيته، وحقوقه الوطنية والإنسانيَّة، وفي استعداده المستمر مقاومة الاحتلالِ مقاومةً شعبيةً شاملةً، حتَّى يتَمَكَّنَ من تحرير وطنه من الاحتلال الصُّهيونيِّ، وتجسيدِ قيامِ دولتهِ الفلسطينيَّةِ المدنيَّةِّ الدِّيمقراطيَّة المُسْتَقِلَّة ذاتِ السِّيَادة فوقَ كاملِ تُرابه الوطن
 

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق