النظام الخاص للإخوان.. جهاز مخابرات الجماعة الشاهد على خداعها لأعضاء التنظيم

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النظام الخاص للإخوان.. جهاز مخابرات الجماعة الشاهد على خداعها لأعضاء التنظيم, اليوم الأربعاء 22 يناير 2025 03:36 مساءً

لم يكن "النظام الخاص" للإخوان مجرد حركة عسكرية، بل كان جهاز مخابرات الجماعة أيضًا، وكان عصب الجماعة وعمودها الفقري وجناحها المسلح، وكان الطليعة المهيئة لصناعة التغيير، فالجماعة "العلنية" في بدايتها كانت مفتوحة، يدخلها من يشاء، وكان نشاطها دعويًا، اقتصاديًا، إعلاميًا، وسياسيًا، أما النظام الخاص، فهو جناحها المسلح الذي لا يلتحق به سوى خاصة الخاصة، ويتم استغلال باقي عناصر الجماعة من العامة باعتبارهم مجرد حشود يستعرضون بها قوتهم.

تَشكّل النظام الخاص وفقًا لمجاميع عنقودية متسلسلة، بحيث تتكون المجموعة القيادية من خمسة أفراد، يتولى كل منهم تكوين مجموعة من خمسة آخرين، ويظل الأمر مسلسلاً إلى ما لا نهاية. ومن هذا التسلسل، يكون الأفراد الذين يقومون بالتواصل مع بعضهم ويعرفون بعضهم لا يزيد عددهم عن ثمانية أفراد. فإذا سقط عنقود في يد الأجهزة الأمنية، لا يستطيع الأفراد الإبلاغ عن باقي العناصر، وهو النظام الذي تتبعه كافة الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تعلمت على يد الإخوان وانسلخت عنهم.

واجهت تجربة النظام الخاص مرتين، و استقطبت أعضائها في البداية عن طريق رفع شعار مقاومة الاحتلال، إلا أنها نفذت اغتيالات لشخصيات مصرية وارتكبت جرائم بحق المصريين. ومع ذلك، لم تتمكن من تحرير مصر من الاحتلال، بل تم تحرير مصر على يد جيشها وشعبها.

وكان إجهاض هذه التجربة عن طريق الانكشاف المفاجئ في حادث السيارة الجيب، وهي القاصمة بالضربة الناصرية مطلع الخمسينات. كانت الضربة الناصرية، خاصة أن القيادة السياسية للإخوان حينئذ (ممثلة في الهضيبي وفريقه) كانت حافلة بالسذاجة والأخطاء والارتباك.

تعرضت الجماعة المارقة لخمس ضربات قاصمة في جيل واحد: الأولى حين حل النقراشي جماعتهم، والثانية على يد الرئيس عبد الناصر عام 1954، ثم كانت الثالثة عام 1967 على يد عبد الناصر أيضًا، وهو ما يفسر كره الجماعة الشديد له ومحاولاتهم اغتياله، ثم كانت الرابعة عند اغتيال السادات وقيام النظام باعتقالهم عقب اغتيال السادات، وجاءت الخامسة على يد الشعب المصري الذي دعمه الفريق عبد الفتاح السيسي وانحاز للشعب، حينما أرادوا إشعال الفتن في مصر والتآمر عليها.

يروي محمود الصباغ، القيادي بالتنظيم السري للإخوان، في كتابه "حقيقة النظام الخاص"، أنه: "كان أول ما يختبر به العضو الجديد فيما يعلن عن رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يُكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، والذي لم يكن يزد ثمنه في هذا الوقت عن ثلاثة جنيهات. ولم يكن الانضمام للنظام الخاص بالأمر اليسير، فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة 'المُكَوّن'، وهو يعني الشخص الذي يقوم بتكوين أعضاء النظام.

وتبدأ هذه الجلسات بالتعارف الكامل على المرشح، ثم جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن، ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة، وتكون بمثابة الاختبار، حيث يُطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها. ويستتبع ذلك مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدى نجاحه في المهمة التي كُلف بها، إلى أن يتدخل الشخص المكوّن في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح من القيام بالمهمة، ثم تليها جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة بجوار سبيل أم عباس، حيث يُدعى المرشح للبيعة والشخص المسؤول عن تكوينه بالإضافة إلى السندي، زعيم النظام الخاص.

حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي تكون مطفأة الأنوار، ثم يجلسون على فرش على الأرض في مواجهة شخص مغطى جسده تمامًا من قمة رأسه إلى قدمه برداء أبيض، يخرج يديه ممتدتين على منضدة منخفضة 'طبلية' عليها مصحف شريف، ويبدأ هذا الشخص المغطى بتذكير المرشح بآيات القتال وظروف سرية هذا 'الجيش'، ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة، والتي تؤدي خيانتها إلى إخلاء سبيله من الجماعة. ثم يخرج هذا الشخص مسدسًا من جيبه ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة، وبعدها يصبح المرشح عضوًا في 'الجيش الإسلامي'."

ويضيف محمود الصباغ في كتابه "حقيقة النظام الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين": "إن الدماء لا تنتظر أمرًا إداريًا لتغلي في العروق، فبعض الأحوال تدفع الدماء لتغلي من تلقاء نفسها. ولن أنطلق في وصف هذا الجيش إلا من خلال كلام أعدائه فيه، أولئك القضاة الذين حاكموه في ظل الاحتلال بقوانين استثنائية وضعها مجرمون على أهون الأشياء، ليطمئن القراء أنهم يقرأون الحقيقة بلا أي زيف، فالفضل ما شهدت به الأعداء."

وينتقد القيادي بالتنظيم الخاص مرشد جماعته وقيادات الجماعة قائلًا: "كتب الكثيرون من صفوة الإخوان عن النظام الخاص –ومنهم المرشد عمر التلمساني– فأخطأوا وظلموا، وذلك لأنهم لم يكونوا فيه ولا علم لهم بأموره، وقد اقتصرت على تصحيح هذا ثلاثًا وثلاثين سنة شفاهة، وما كنت أود أن أكتب علنًا لولا أن بعض الإخوان صار ينشر مذكراته وصارت تنشرها له صحف واسعة، فوجب التصحيح بالتأليف والكتابة." وهذا ما يؤكد فكرة أن هناك معلومات داخل الجماعة لا يعرفها الجميع، وأن هناك فئة تقتادها الجماعة حيث شاءت دون وعي وفهم، ولا يحق لها إلا أن تقول سمعًا وطاعة على غير فهم.

ويتابع الصباغ حديثه ويحكي كيف تم استقطابه للجماعة وتنظيمها المسلح: "بتدبير عجيب التقيت بمصطفى مشهور الذي فاتحني في الانضمام للإخوان، ولما أبديت له عدم تحمسي للأحزاب ذكر لي أن الإخوان المسلمين لا يسعون للحكم تحت الاستعمار بل يعملون على جهاده بالقوة والسلاح، وتلا علي بعض آيات الجهاد التي سمعتها مندهشًا ومبهورًا، فبرغم نشأتي مسلمًا في قرية مسلمة، إلا أن كل مصادر معرفتي بالإسلام في المسجد أو المدرسة لا تتناول شأن الجهاد أبدًا، حتى انحصر الإسلام في ذهني في العبادات والأخلاق ولم أشعر أن فيه جهادًا! ثم اصطحبني إلى دار الإخوان فسمعت البنا يتكلم في شأن الجهاد كلامًا واضحًا بيّنًا، فانبثق في نفسي نور ساطع وخرجت وأنا إخوان أبحث عن طريقة التنفيذ. ففاتحت مشهور في ضرورة تكوين جيش مسلم، فأخذني إلى عبد الرحمن السندي بصفته المسؤول عن تكوين هذا الجيش، وكان السندي شابًا ديّنًا عازمًا واعدًا صادقًا رقيقًا، وسرعان ما استقر أمرنا على وضع قواعد تنظم هذا الجيش."

ويعترف الصباغ بالاغتيالات التي نفذتها الجماعة قائلًا: "إن الدماء لا تنتظر أمرًا إداريًا لتغلي في العروق، وهذا حال يدفع الدماء لتغلي من تلقاء نفسها. ولا يمكن لوم بعض شباب تتحد إرادتهم في هذا الظرف المثير على قتل هذا الداعي إلى الكفر بالله والمستسلم لليهود! بل لقد توقع النقراشي نفسه أنه 'سيدفع ثمن هذا القرار رصاصة أو رصاصتين في صدره'."

ويتابع معترفًا بقتل الخازندار قائلًا: "التدبير لمقتل القاضي أحمد الخازندار في 22 مارس 1948، حيث قُتل على يد اثنين من النظام الخاص هما حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم. وصدر عليهم الحكم في 22 نوفمبر 1948 بالأشغال الشاقة المؤبدة."

لم يكن كل قيادات الجماعة تعلم بأمر هذا التنظيم الخاص، مما تسبب في أزمة بعد كشفه فيما أطلق عليه ثنائية القيادة. لذلك قرر الهضيبي إعادة تشكيله، وجعل قيادته مركزية تتبع مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات المختلفة، وهذا ما أيدته أغلبية القيادات، وبعدها بعام ألغاه المستشار حسن الهضيبي بشكل كامل على أساس أنه كان نظامًا سريًا، ولا يعرفه إلا القليل، ومهمته انتهت؛ لأنه تم إنشاء جهاز علني يدعى الجهاز الوطني لتدريب الناس على الأعمال العسكرية للدفاع عن البلاد. وأضاف عاكف أن دور النظام الخاص كان يجب أن يتوقف في عام 1949.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق