من الاعتراض إلى المقاطعة... كيف يُفهَم موقف "الثنائي" من تسمية نواف سلام؟!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من الاعتراض إلى المقاطعة... كيف يُفهَم موقف "الثنائي" من تسمية نواف سلام؟!, اليوم الخميس 16 يناير 2025 03:21 صباحاً

في الظاهر، يبدو المسار الذي اتخذته الأمور منذ الخميس إيجابيًا، ففي خمسة أيام فقط، أصبح للبنان رئيس جمهورية مُنتخَب، بعد شغور قاتل دام لأكثر من سنتين، وبمشروع "واعد" اختصره بخطاب قسم بدا ملبّيًا لتطلّعات معظم اللبنانيين، كما أصبح للبنان أيضًا رئيس حكومة جديد، من خارج الطبقة السياسية التقليدية، هو القاضي نواف سلام، الذي لطالما مثّل لبنان في الخارج، وصولاً إلى منصبه الأخير كرئيس لمحكمة العدل الدولية.

أما في الباطن، فلا تبدو الأمور "ورديّة" لهذا الحدّ، بالنظر إلى الانقسامات التي أحاطت بالاستحقاقين، فالتوافق الوطني الذي أدّى إلى انتخاب جوزاف عون رئيسًا، بقي "التيار الوطني الحر" مثلاً خارجه، ولو أنّه تجاوزه سريعًا وطوى صفحته، وفق ما أكّد رئيسه الوزير السابق جبران باسيل، في حين أنّ التقاطع على تسمية سلام رئيسًا مكلّفًا للحكومة، "أغضب" ثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، الذي لم يلتحق بركبه، كما فعل في الرئاسة.

ولعلّ ما زاد "التعقيدات" تمثّل في الموقف "الصادم" الذي اتّخذه "الثنائي"، والذي تدرّج من مستوى الغضب والاعتراض، الذي تجلّى بوضوح في كلمة رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في قصر بعبدا، والمفردات التي استخدمها والتي تراوحت بين التقسيم والشرذمة والتفكيك والإلغاء والإقصاء، إلى مستوى "المقاطعة"، مع قرار النواب المحسوبين على "الثنائي" بعدم المشاركة في استشارات رئيس الحكومة المكلف في مجلس النواب.

ثمّة من يبرّر رفع "الثنائي" لسقف اعتراضه لهذه الدرجة، بالحديث عن "خديعة" تعرّض لها، بل عن "انقلاب" على تفاهمات حصلت، ودفعته إلى منح الرئيس عون أصواته، وثمّة من يرى في المقابل أنّه "تسرّع" بالهجوم "غير المبرَّر" على رئيس الحكومة المكلّف، الذي كان خطابه على النقيض، استيعابيًّا، فكيف يُفهَم موقف "الثنائي" الحادّ هذا، وهل يقطع الطريق فعلاً على أيّ "تفاهم ممكن" مع سلام، وبالتالي المشاركة في حكومته؟!.

على الرغم من أنّ خطاب "المؤامرات والانقلابات" لم يعد يجد صدىً في الحياة السياسية، إلا أنّ المحسوبين على "الثنائي" والمؤيدين لوجهة نظره، يضعون أداءه في اليومين الماضيين في خانة "ردّ الفعل" على ما يصفونه، "خديعة بالحدّ الأدنى" تعرّض لها، عندما التحق بالتسوية على انتخاب الرئيس جوزاف عون، وفق "سلة متكاملة"، كان يفترض أن تشمل رئاسة الحكومة، بحيث تبقى مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

يذكّر هؤلاء بأنّ الفريق الآخر كان بحاجة لأصوات "الثنائي" في الاستحقاق الرئاسي، حتى "يضمن" فوز عون، ويتجاوز بالحدّ الأدنى إشكالية "التعديل الدستوري" المتعذّر، وبالتالي يتفادى "طعنًا" كان من شأنه نزع الشرعية عن رئيس الجمهورية المُنتخَب بقوة القانون، ولذلك فقد اختار "الثنائي" حينها أن يلتحق بالتسوية وينتخب عون، لكن وفق تفاهمات جرى نسجها، وتعمّد تسليط الضوء عليها بمهلة "الساعتين" بين الدورتين الأولى والثانية.

من هنا، فإنّ المعادلة بالنسبة إلى "الثنائي" كانت واضحة، وتقضي بأن يتمّ التجديد لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مقابل انتخاب عون رئيسًا للجمهورية، وذلك بضمانات إقليمية ودولية، تشمل برنامج عمل هذه الحكومة، على مستوى ملف إعادة الإعمار، وكذلك الإصلاحات المطلوبة منها، ولا سيما أنّ "الثنائي" يطمئنّ لميقاتي إلى حدّ ما، كما لا يطمئن بالضرورة لأسماء متداولة أخرى، وربما يتوجّس من أسماء جديدة غير مجرَّبة بالنسبة له.

بعد ذلك، مضى "الثنائي" مرتاحًا إلى الاستشارات، بل إنّه "بارك" لميقاتي سلفًا عودته، وهو ما يفسّر ربما "الثقة" التي تعامل بها الأخير مع الاستحقاق، والتي جعلته يجزم بأنّه ليس "في منافسة شخصية" مع أحد، بل يسرّب عبر منصّاته الإعلامية بأنّه سيحصل على أكثر من ستين صوتًا، وهي "ثقة" عزّزها "ارتباك" القوى المعارضة له التي انقسمت للوهلة الأولى بين مرشحَين مُعلنَين، هما فؤاد مخزومي وإبراهيم منيمنة، قبل أن ينسحب كلاهما لصالح نواف سلام.

بهذا المعنى، يعتبر "الثنائي" ما جرى بمثابة "انقلاب" على التفاهمات المسبقة، ومحاولة لوضعه تحت الأمر الواقع، في حين أنّ التوافق الوطني الذي بدأ في جلسة انتخاب الرئيس جوزاف عون، كان ينبغي أن يستمرّ في استشارات تسمية رئيس الحكومة، بدل أن يتم "تجاوزه" بهذا الشكل، الذي أوحى بأنّ هناك من يرغب بتسجيل "انتصار ما" على "الثنائي"، بما يتناغم مع جوّ إقليمي ودولي يحاول "محاصرة" المقاومة وبيئتها، بشكل أو بآخر.

من هنا، قد يكون لامتعاض "الثنائي" وغضبه مبرّراته وأسبابه، ولو أنّ هناك من ينتقد الأخير لخوضه المعركة من الأساس برئيس حكومة لا يزال في السلطة منذ سنوات، في حين كان الأوْلى به اختيار اسم جديد يلبّي تطلعات "التغيير"، على غرار سلام الآتي من خارج الطبقة السياسية، لكنّ السؤال الذي يُطرَح: هل يبرّر هذا الغضب، الموقف الحاد الذي اتخذه "الثنائي"، وألم يكن الأوْلى به منح الفرصة هامشها، ليبنى على الشيء مقتضاه بعد ذلك؟.

في هذا السياق، ثمّة من يسجّل لرئيس الحكومة المكلّف الموقف الإيجابي الذي أطلقه بعد لقائه رئيس الجمهورية عقب عودته إلى بيروت، والذي استوعب من خلاله هجوم النائب محمد رعد من دون تسميته، فأكد أنه ليس إلغائيًا ولا إقصائيًا، وهو موقف يرى كثيرون أنه كان على الطرف الآخر أن يتلقّفه إيجابًا، إلا أنّ المفاجأة كانت بمقاطعة "الثنائي" للاستشارات غير الملزمة في مجلس النواب، ولو تحت عنوان أنها "لا تقدّم ولا تؤخّر".

هنا، يقول العارفون إنّ "الثنائي" ربما تسرّع في رفع السقف بهذا الشكل، إذ كان الأوْلى به مثلاً أن ينتظر الجلوس مع رئيس الحكومة المكلف أولاً، ومناقشته بالهواجس التي لديه، ليطلق بعد ذلك موقفه بناء على معطيات ملموسة، وحتى لا يبدو هجومه الذي فتح الباب أمام "تخوين" الرجل من قبل جمهوره، مجرّد اعتراض على "خسارة معركة ديمقراطية"، ولا سيما أنّ كلامه عن "انقلاب" لا يتناغم مع الآلية الدستورية لتسمية رئيس الحكومة.

مع ذلك، يؤكد العارفون أنّ كل الاحتمالات تبقى واردة، بما في ذلك "انفتاح" الثنائي على رئيس الحكومة المكلف، ولكن بعد انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة، باعتبار أنّ المقاطعة تبدو عبارة عن "تسجيل موقف" من جانب "الثنائي"، الذي يرفض المحسوبون عليه القول سلفًا إنها ستسري على المشاركة في الحكومة، ولو أنّ الأساس بالنسبة إليهم يبقى ضرورة احترامها الميثاقية، وعدم تناقضها مع صيغة العيش المشترك التي يؤكد عليها الدستور.

ثمّة من يرى أنّ موقف "الثنائي" موجَّه ضدّ رئيس الحكومة المكلّف، لكن ثمّة من يراه ضد "الشركاء في الوطن" في المقام الأول، ولا سيما "الأصدقاء"، من رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط، إلى رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي يقال إنه "أخذ بثأره" من "الثنائي" بتسميته لسلام. لكنّ الثابت والأكيد، أنّ "الثنائي" لم يكن موفَّقًا بردّة فعله "المُبالَغ بها" على آلية ديمقراطية، لم يجد فيها مشكلة، حين كان هو الفائز بها!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق