حصرى 24

يميني وأنثوي ومزيف: الذكاء الاصطناعي يتدخل بانتخابات ألمانيا

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
يميني وأنثوي ومزيف: الذكاء الاصطناعي يتدخل بانتخابات ألمانيا, اليوم الجمعة 7 فبراير 2025 12:25 صباحاً

"الخطر لا يأتي من اليمين# بل من اليسار# والإسلام#"، بحسب ما كتبت في موقع "إكس" شابة يُفترض أنَّها تركية. وتكتب شابة أخرى: "أنا فتاة ألمانية وأفتخر ببلدي. وهذا ليس فقط أثناء بطولة كأس العالم".

بيد أنَّ هاتين الشابّتين غير حقيقتين، بل تم توليدهمابالذكاء الاصطناعي. ويوجد على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من مثل هذه الحسابات الشخصية، التي تتم إدارة بعضها باحترافية، ومنها ما تذكر في وصف ملف تعريفها الشخصي أنَّها منشأة بالذكاء الاصطناعي، ومنها ما لا تفعل ذلك. ولا يقوم أي حساب منها بتمييز المحتوى الذي ينشره على أنه تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وتجمع بينها جميعها توجهاتها السياسية. وحول ذلك تقول فيرا شميت، رئيسة مجموعة أبحاث "XplaiNLP" في جامعة برلين التقنية: "هذه الحسابات أو الشخصيات والصور الشخصية، التي تعبِّر عن رأيها هناك، غالبًا ما تميل إلى تأييد اليمين ودونالد ترامب". وكثيرًا ما تلاحظ فيها أيضًا مواقف مؤيدة لروسيا. فمثلًا تكتب إحدى البنات المفترضات: "نحن لا نريد الحرب مع روسيا"، بينما تصف أخرى نفسها بأنَّها من محبي ترامب.

وتقول فيرا شميت إنَّ "مثل هذه الحسابات غالبًا ما يكون هدفها التلاعب بالرأي العام". فهي تخلق حالة من الشك، وتساهم في الاستقطاب، وتهدف في نهاية المطاف إلى تقويض العملية الديمقراطية.

ثقافة شعبية ومواقف يمينية

وتنتشر حسابات نساء الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء مثل لاريسا، صوفيا، آيلين أو لارا، وتعلِّق على الأحداث السياسية الحالية من وجهة نظر يمينية قريبة من حزب البديل من أجل ألمانيا. وتستخدم من أجل ذلك مقاطع فيديو وصورًا ونصوصًا على مواقع مثل إكس وإنستغرام وتيكتوك.

ونساء الذكاء الاصطناعي ينشرن بالإضافة إلى ذلك منشورات حول حياتهن اليومية وحول الثقافة الشعبية. فمثلًا نشرت "لاريسا" قبل فترة قصيرة ترجمة ألمانية للأغنية الروسية "سيغما بوي"، التي انتشرت على موقع تيكتوك وتعد رمزًا لصورة مشكوك فيها للرجولة، صاغها المتطرف الأمريكي اليميني وكاره النساء تيودور روبرت بيله.

وكذلك تشكل النقاشات السياسية الراهنة جزءًا أساسيًا من المحتويات المنشورة. فبعد تصويت حزبي الاتحاد المسيحي بالاشتراك مع حزب البديل على اقتراح يتعلق بتشديد سياسة الهجرة، تساءلت لاريسا على موقع إكس إن كانت "نهاية جدار الحماية تمثل بداية تغيير حقيقي".

ويتضح في أماكن أخرى التوجه السياسي اليميني بشكل لا لبس فيه. مثلًا: لارا "تحلم ... بإعادة التهجير"، وصوفيا ترتدي قميصًا يحمل عبارة "إعادة التهجير"، ولاريسا أيضًا تستخدم هذا المصطلح في العديد من مقاطع الفيديو. وقد تمنت بمناسبة عيد الميلاد "إعادة التهجير"، أي "إعادة" أو حتى ترحيل المهاجرين والأجانب من ألمانيا.

وتنشر هذه الحسابات أيضًا تصريحات عنصرية معادية للنسوية ومعادية للمثليين، من بينها منشورات موجهة ضد حزبي الخضر واليسار، ويصل بعضها إلى جمهور واسع. فقد حصل منشور "النساء المتحولات جنسيًا لسن نساء، وقانون تقرير المصير معادٍ للرب" على أكثر من 7 آلاف إعجاب على موقع إكس.

دعاية انتخابية لحزب البديل من أجل ألمانيا

ومن الملفت للنظر كيف تروِّج مؤثرات الذكاء الاصطناعي لحزب البديل من أجل ألمانيا وزعيمته أليس فايدل. حيث يرتدين قمصانًا تحمل شعار حزب البديل، وينشرن قلوبًا باللون الأزرق (لون حزب البديل) ومقاطع ساخرة (ميمز) بها أفكار حزب البديل، الذي يروِّجون إلى التصويت لصالحه. 

ومن بين المحتويات المتعلقة بحزب البديل مثلًا: "أنا آيلين بيلغين، تركية، ولن أصوِّت إلا لحزب البديل"، "سأصوت في 23 شباط/فبراير لحزب البديل، فهكذا فقط تستطيع ألمانيا النهوض من جديد. وإذا كان هذا هو رأيك أيضًا، فحن نكافح على جانب واحد"، أو "أنا أنتخب حزب البديل لأنَّني أريد ألمانيا آمنة ومزدهرة من جديد".

وفي هذا الصدد تقول ديبورا شنابل، مديرة مركز آنه فرانك التعليمي: "نلاحظ هنا أنَّ هؤلاء المؤثرات المنشآت بالذكاء الاصطناعي يلعبن دورًا عندما يتعلق الأمر مثلًا بدعم أليس فايدل في الحملة الانتخابية". فكثيرًا ما يقمن مثلًا بتسليط ضوء إيجابي على ترشح فايدل لمنصب المستشار، كما يتناولن أيضا الانتقادات الموجهة إليها ويدحضن هذه الانتقادات.

وهذا لا يحدث صدفة، بحسب آنا هيلر، محللة الأبحاث في معهد الحوار الاستراتيجي: "بل هذه استراتيجية عامة لدى اليمينيين الجدد، تستخدم فيها النساء بالتحديد من أجل كسب الأعضاء". وهنا يُستخدم الذكاء الاصطناعي "لخلق صورة للألمان الآريين، ذوي الشعر الأشقر والعيون الزرقاء". والنساء المؤثرات أيضًا لديهن فرصة طرح مواضيع مختلفة عن التي يطرحها الرجل.

المهم هو مضمون الرسالة

ومن أشهر هذه الحسابات حساب "لاريسا فاغنر"، ولذلك سنعرضه في هذا المقال كمثال للحسابات الشخصية الأخرى. وهي بحسب منشوراتها في الثانية والعشرين من عمرها، تنحدر من أصل ساكسوني ولكنها تعيش في براندنبورغ، وهي كذلك مسيحية مؤمنة وجدها الأكبر كان في الجيش النازي (فيرماخت). وتقوم منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر بدورة تدريب عملي ككاتبة عمود في مجلة كومباكت اليمينية المتطرفة.

وهي تصف نفسها على حسابها على موقع إكس بأنَّها "فتاة من براندنبورغ" و"فأر ذكاء اصطناعي" ولديها في ملفها الشخصي علم ألمانيا وقلب أزرق، يشير إلى تعاطفها مع حزب البديل. وحساباتها الأخرى على تيكتوك وآنستغرام متشابهة، ولكن لديها هناك عدد أقل بكثير من عدد متابعيها في موقع إكس، والذي يبلغ 4300 حساب.

مظهر لاريسا فاغنر يتوافق مع معايير الجمال السائدة. فهي نحيفة ولديها شعر بني فاتح طويل وبشرة خالية من العيوب وعيون زرقاء. قد تبدو بعض صورها من النظرة الأولى حقيقية، ولكن إذا أمعنا النظر فيها يمكننا أيضًا ملاحظة بعض الأخطاء، مثلًا أنَّ لديها ستة أصابع في إحدى صورها.

أما في مقاطع الفيديو فيمكن القول من النظرة الأولى إنَّها منشأة بالذكاء الاصطناعي. فحركات لاريسا تبدو آلية وصوتها يبدو مصطنعًا وشفتاها تتحرّكان بشكل غير متزامن مع الصوت. ولم ترد "كومباكت" على استفسار صحفي من فريق تقصي الحقائق الخاص بمؤسسة دويتشه فيله (DW)،  المعروف باسم (DW Faktencheck).

ومعظم المؤثرات المنشآت بالذكاء الاصطناعي لا يوجد لديهن حاليًا سوى القليل من التفاعل مع مستخدمين حقيقيين، ولهذا السبب ترى آنا هيلر أنَّ تأثيرهن على الانتخابات الألمانية سيكون ضئيلًا جدًا. ولكن المستخدمين لا يميزون بين المحتوى المنشأ بالذكاء الاصطناعي والحقيقي، كما تقول آنا هيلر: "إذا نظرنا مثلًا إلى الإعجابات وتعليقات المستخدمين، نلاحظ أنَّ معظمهم لا يهتمون حقًا بكون الرسالة منشأة بالذكاء الاصطناعي أم لا، بل يهتمون أكثر بمضمونها".

ما الذي يمكن تصديقه أيضًا؟

ديبورا شنابل، ترى ذلك بشكل مشابه أيضًا وتقول: "يجب علينا أن نفترض أنَّ الجميع لديهم قدرات مختلفة على ملاحظة ما أنشئ فعلًا بالذكاء الاصطناعي". وتضيف أنَّ حسابات مؤثرات الذكاء الاصطناعي وملفات تعريفهن تختلف من حيث جودتها: "يمكن اكتشاف بعضها بسرعة كبيرة جدًا".

وتضيف شنابل أنَّ مقاطع الفيديو والمنشورات كثيرًا ما لا تكون مميزة بعلامة تظهر أنَّها منشأة بالذكاء الاصطناعي، وهذا يمثل مشكلة كبيرة. فقد يتم تجاهل الإشارة إلى أنَّ هذا ليس شخصًا حقيقيًا أو أن يُنظر بالخطأ إلى المؤثرات المنشآت بالذكاء الاصطناعي على أنَّهن نساء حقيقيات.

حسابات منشؤها مجهول

وعادةً ما يكون المسؤولون عن هذه الحسابات غير معروفين. فمن ناحية هم أفراد لا يمكن التعرف عليهم بوضوح، كما تقول ديبورا شنابل؛ ومن ناحية أخرى هم أطراف فاعلة منظمة سياسيًا: "نحن نعلم أنَّ الأطراف الفاعلة اليمينية المتطرفة، بما فيها حزب البديل، تستخدم وكالات بشكل محدد جدًا وتعمل بالتعاون مع خبراء اتصالات"، تضيف مديرة مركز آنه فرانك التعليمي. 

ومن غير الممكن في الواقع تصوير بعض الصور المراد نقلها. "وهذا يعني الاضطرار في الواقع إلى استخدام وسائل اصطناعية لعرض السرديات العنصرية والمعادية للاجئين. والذكاء الاصطناعي يساعد كثيرًا في هذه الحالة"، كما تقول آنا شنابل.

لقد أثار مؤخرًا حزب البديل من أجل ألمانيا الانتباه بإعلاناته الانتخابية المتنوعة المنشأة بالذكاء الاصطناعي. فمثلًا أليس فايدل نشرت مقطع فيديو يظهر فيه وجه المستشارة السابقة أنغيلا ميركل مشوهًا بشكل سلبي بواسطة الذكاء الاصطناعي. كما نشر حزب البديل في ولاية براندنبورغ مقطع فيديو تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي ويظهر فيه وزير الصحة كارل لاوترباخ (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) وهو يقتاده شرطيان ووزير الاقتصاد روبرت هابيك (من حزب الخضر) وهو يجمع القمامة.

 

أخبار متعلقة :