حصرى 24

مع الشروق ..العالم... نحو نكبة جديدة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق ..العالم... نحو نكبة جديدة, اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 11:46 مساءً

مع الشروق ..العالم... نحو نكبة جديدة

نشر في الشروق يوم 05 - 02 - 2025


لم يكن ينقص الشرق الأوسط مزيدًا من الفوضى والمصائب، حتى يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في لقائه الأخير مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في واشنطن، ليقرر إشعال حريق في المنطقة عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة وتعيد بناءه وفق رؤيتها، ليدشن بذلك مرحلة جديدة فقد فيها العالم صوابه ودخل رسميًا مرحلة من الجنون السياسي.
هذه التصريحات الترامبية لم تكن سوى وصفة جديدة للفوضى في الشرق الأوسط، ومحاولة لإعادة رسم الجغرافيا السياسية على حساب حقوق الفلسطينيين ومستقبل المنطقة بأسرها التي ستكون هذه المرة وأكثر من أي وقت مضى على فوهة بركان ومن وراءها العالم بأسره الذي يكتفي بالفرجة على ترامب الذي يأمر وينهي ويعيد تشكيل الدول ويأخذ ما ليس له فيه حق دون رقيب ولا حسيب.
ولا شكّ أن الحديث عن تحويل غزة إلى "ريفييرا جديدة" والوعد بحياة أفضل ليست سوى شعارات موهومة يختبئ وراءها مخطط أشبه بالتطهير العرقي يقوم على تهجير سكان غزة قسرًا في استمرار لمسلسل النكبات التي عاشها العرب منذ 1948. وهو محاولة واضحة لإدامة الصراع على حساب أصحاب الأرض، بدلاً من إيجاد تسوية عادلة ومستدامة.
فتهديدات ترامب ليست مجرد كلام عابر. بل هي تعبير دفين عن العقلية الفوقية والاستعمارية التي يُقاد بها العالم ومؤشر خطير على نهج سياسي يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالح القوى الكبرى، دون أي اعتبار للحقائق التاريخية أو للمعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون يوميًا. إذ أن اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم مرة أخرى سيخلق كارثة إنسانية جديدة. ويعمّق مشاعر الغضب والعداء في المنطقة، مما قد يؤدي إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار والحروب.
إضافة الى ذلك، فإن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" لا يتجاوز منطق الوهم السياسي، فمن دون معالجة الجذور الحقيقية للصراع، ومن دون الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، فإن أي خطة لإعادة الإعمار ستظل مجرد سراب، وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ولعلّ ما يجعل الأمر أكثر مأساوية هو غياب موقف عربي موحّد قادر على التصدي لمثل هذه المخططات. فبعد عقود من التراجع السياسي والانقسامات، يبدو العالم العربي عاجزًا عن فرض موقف قوي أمام القوى العظمى التي تتلاعب بمصير شعوبه . إذ أن تصريحات ترامب لم تكن لتحدث لو كان هناك موقف عربي موحّد قادر على رسم خطوط حمراء واضحة.
إن الصمت أو الاكتفاء ببيانات الشجب لن يغير شيئًا . فما تحتاجه المنطقة هو استراتيجيات واضحة لمواجهة هذه المشاريع .
وتبدأ بتقوية الجبهة الفلسطينية الداخلية، مرورًا بتفعيل الدور العربي المشترك، وصولًا إلى تحركات دبلوماسية حقيقية تضع حدًا لهذا العبث السياسي.
فالعالم دخل رسميًا مرحلة من الجنون السياسي. حيث تُطرح مخطّطات تهدّد بإحداث نكبة جديدة للفلسطينيين وكأنها مشاريع تطويرية، وما تصريحات ترامب سوى تذكير صارخ بأن القضية الفلسطينية لا تزال في قلب لعبة المصالح الدولية، وأن الحقوق لا تُستعاد إلا بالقوة والمواقف الحازمة.
ومحمول على المجتمع الدولي، وعلى العرب قبل غيرهم، أن يدركوا أن السكوت عن مثل هذه التصريحات يجعلهم شركاء في صناعة عهد جديد من الهوان والضعف . فالتاريخ لن يرحم المتخاذلين. ولن يغفر لمن فرّط في حقوق شعب عانى قرنا من الزمن، ولا يزال يناضل ليحصل على أبسط حقوقه في العيش بكرامة على أرضه.
هاشم بوعزيز

.




أخبار متعلقة :