حصرى 24

يناير.. شهر الروح الوطنية المتجددة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
يناير.. شهر الروح الوطنية المتجددة, اليوم الجمعة 10 يناير 2025 12:14 مساءً

عادل بن حمزة

تأسست النواة الأولى للحركة الوطنية التي قادت النضال الوطني في المغرب من أجل الحرية والاستقلال،  عقب إصدار السلطات الاستعمارية الفرنسية ما سمي بالظهير "البربري" في 16 أيار (مايو) 1930 الرامي إلى التفرقة بين المغاربة على أساس لغوي بين الناطقين بالأمازيغية والناطقين بالعربية، حيث دعا عدد من العلماء الوطنيين إلى قراءة اللطيف في المساجد، دفاعا عن الإسلام الذي يشكل العنصر الجامع لوحدة الأمة المغربية التي كانت مستهدفة بشدة، لذلك فإن تأسيس كتلة العمل الوطني سنة 1934، وبعدها الحزب الوطني سنة 1937 وغيرها من التعبيرات الوطنية، كانت إستجابة لحاجة مجتمعية ملحة، هي الدفاع عن الإنسية المغربية وعن الهوية المغربية المتعددة الروافد في وجه الدولة الكلونيالية التي راهنت على تقسيم البلاد وإزالة كل لحمة تجمع أطراف الوطن. 

 

واحدة من المحطات التي شكلت نموذجا لوحدة الأمة المغربية، تمثلت في تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي ضمت نخبة وطنية موزعة على عدد من مناطق المغرب، الوثيقة الهامة في التاريخ المغربي المعاصر والتي يخلد الشعب المغربي غدا السبت ذكراها الواحدة والثمانون، تعتبر من الذكريات الوطنية التي كان للحدث الذي تخلده، بالغ الأثر في تاريخ البلاد، حيث تقدم حزب الاستقلال الذي يضم أعضاء الحزب الوطني السابق وشخصيات حرة، بعريضة للمطالبة بالاستقلال وذلك يوم 11 كانون الثاني (يناير) 1944 وهي الذكرى التي حافظ حزب الاستقلال على تخليدها إلى حدود بداية الثمانينات من القرن الماضي، عندما قرر الملك الراحل الحسن الثاني جعلها عيدا وطنيا ويوم عطلة مدفوعة الأجر، مما عُد في حينه إعادة إعتبار للعمل الوطني الكبير الذي كان نقطة تحول جوهرية في مواجهة الاستعمار الفرنسي.

 

عندما  نعود اليوم إلى هذه  الصفحات المشرقة من تاريخ جهاد الأمة المغربية من أجل  الحرية، فإنما للتذكير بأن كفاح الحركة الوطنية، كان يروم إضافة إلى تحقيق الاستقلال، إرساء نظام ديمقراطي، وهو الأمر الذي جسدته بجلاء وثيقة 11 كانون الثاني (يناير) التي عكست تحولا جوهريا في خطاب  الحركة الوطنية من المطالبة بتحقيق إصلاحات في ظل الحماية إعمالا لبنوذ عقد الحماية (دفتر مطالب الشعب المغربي سنة 1934 كنموذج)، إلى المطالبة  بالاستقلال الكامل في توظيف ذكي للوضعية التي كانت تعرفها فرنسا في تلك الفترة، خاصة نتائج الحرب العالمية الثانية وإندحار فرنسا في عدد من مستعمراتها.

 

لقد عكست وثيقة 11 كانون الثاني (يناير) التلاحم القوي ما بين العرش ممثلا بالسلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس)، والشعب المغربي كما عبرت عنه الحركة الوطنية، وهو التلاحم الذي سيبلغ مداه مع ثورة الملك والشعب سنة 1953 عندما امتدت أيادي الاحتلال وأذنابهم من القواد والباشوات إلى السلطان الشرعي، وقامت بنفيه عقابا له على تعاونه وتنسيقه مع الحركة الوطنية، ورفضه مجاراة المخططات الاستعمارية.

 

كان عمل الحركة الوطنية، يهدف أساسا إلى تقويض الدولة الكلونيالية في تعبيراتها المختلفة وتحقيق الاستقلال وبناء نظام ديمقراطي تكون فيه السيادة للأمة، قائم على العدالة الاجتماعية والحريات وإنصاف الأفراد والمناطق في مغرب موحد واحد، وأهمية الذكرى اليوم يتجلى في حجم ما يحقق المغرب من نهضة اقتصادية واجتماعية وحضارية في محيط إقليمي غير مساعد وفي ظل تحولات جيوسياسية بالغة الأهمية، تمنح المغرب موقع الريادة بشكل يتوافق مع عمق مجده التاريخي، صحيح أن هناك تحديات اجتماعية منها ما يتعلق بالأثر الاجتماعي للنمو الاقتصادي، لكن الوعي بهذا الأمر في الدوائر الرسمية، يسهل من حصول القناعة بأن هذا الأمر في صدارة الأولويات والاهتمام. 

 

أهمية الاحتفاء بالمحطات الوطنية الكبرى في تاريخ المغرب، تتمثل في كون أثر الحركة الاستعمارية لازال ممتدا إلى اليوم خاصة من زاوية استكمال الوحدة الترابية للمغرب، حيث لازال أثر الفعل الإستعماري يمثل وقودا للصراع المفتعل حول الصحراء المغربية وعبره توتر إقليمي مصطنع يتم توظيفه لإبتزاز المغرب وللحد من طموحاته في أن يكون دولة صاعدة بعد تفوقه الإقليمي الواضح، فإذا كانت الحركة الاستعمارية سببا مباشرا في ظهور عدد من الدول في الجوار، فإنها على مستوى المغرب كانت سببا في المس بوحدة تاريخية وبأمة ممتدة عاشت موحدة تقاسمت الكثير من القيم لقرون طويلة قبل المد الكلونيالي، لذلك يصبح التفكير في أثر حركة الاستقلال  والاستعمار على الحاضر والمستقبل، تمرينا فكريا في غاية الأهمية، خاصة بالنسبة للمجتمعات التاريخية كالمجتمع المغربي الذي يضرب عميقا في بأصالته في جذور التاريخ، وذلك من زاوية رسوخ الدولة واستمرارها على مدى أزيد من 12 قرنا، في الوقت الذي لازالت مجتمعات أخرى تعيش أزمة في ترسيخ فكرة الدولة وفي البحث عن هوية جامعة وما لذلك من أثر في سلوك أنظمتها على المستوى الداخلي أو الخارجي. 

 

الذكرى تصادف أيضا  احتفال المغاربة وسكان شمال إفريقيا ببداية السنة الأمازيغية الجديدة والتي تبلغ هذه السنة عامها 2795، أو ما يسمى " ناير "، وذلك في سياق وطني خاص حيث تشكل هذه السنة، السنة الثانية لقرار الملك محمد السادس اعتبار ذكرى السنة الأمازيغية الذي يصادف 14 كانون الثاني (يناير) عطلة وطنية مدفوعة الأجر تعطل فيها المؤسسات بما يمثله ذلك من انتصار كبير للوحدة الوطنية، وبذلك يكون شهر كانون الثاني (يناير) شهرا مثقلا بالرمزية الوطنية في أجل صورها ويصادف بداية كل سنة ليذكر المغاربة بتاريخ مجيد يستحق أن يحتفى به، وأساسا يستحق أن يكون مغاربة اليوم في مستواه وفخورين به.

أخبار متعلقة :