الرياضة مساحة للأمل

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرياضة مساحة للأمل, اليوم الجمعة 7 فبراير 2025 12:58 مساءً

قد يستغرب البعض أن يكتب رجل دين عن الرياضة، إذ اعتاد القارئ أن يجد في مقالات الكهنة مواضيع روحية أو لاهوتية أو ذات أبعاد اجتماعية وثقافية. غير أن الرياضة، في جوهرها، ليست مجرد تنافس جسدي، بل هي سلوك، أخلاق، وانتماء، وهي جزء من حياة الإنسان التي تسعى الكنيسة دومًا إلى تنقيتها وتهذيبها وتوجيهها نحو الخير.

من هذا المنطلق، لا يسعنا إلا أن نفخر بالإنجازات التي تحققها الرياضة اللبنانية عمومًا، وكرة السلة خصوصًا، حيث باتت الأندية اللبنانية منارةً على المستوى المحلي والدولي، وآخرها فوز نادي ​بيروت​ اللبناني ب​بطولة دبي الدولية لكرة السلة​ بعد تغلّبه على منتخب ​تونس​. إنّها لحظة فخر واعتزاز، لكنها أيضًا دعوة للتفكير في أعمق أبعاد الرياضة ودورها في المجتمع.

لم يكن الإنجيل المقدس يومًا بعيدًا عن الحياة اليومية، بل هو نبعٌ تتفجّر منه ​الحكمة​ لكل جوانب الوجود. ففي رسالة يوحنا الثالثة، نجد كلماتٍ تعبّر عن الاهتمام الإلهي الشامل: "أَيُّهَا الْحَبِيبُ، أَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مُوَفَّقًا فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَأَنْ تَكُونَ صِحَّتُكَ الْبَدَنِيَّةُ قَوِيَّةً وَمُعَافَاةً كَصِحَّتِكَ الرُّوحِيَّةِ" (3 يوحنا 1: 2). هذه الآية تعبّر عن رؤية متكاملة للإنسان، حيث لا تنفصل صحة الجسد عن نقاء الروح، فكما يعتني المؤمن بصحته الروحية، يجب أن يهتم أيضًا بلياقته الجسدية.

ولذلك، تهتم الكنيسة اليوم، كما في كل العصور، بتوجيه الشباب إلى حياة متكاملة، يكون فيها التنافس الرياضي وسيلةً للبناء لا للهدم، مساحةً للقاء لا للصراع، منبعًا للقيم لا ساحةً للخصام. فكم نحتاج اليوم إلى نشر الروح الرياضية الحقيقية، حيث يُضبط الجمهور عن التفوّه بعبارات نابية، وتُمنع الملاعب من أن تتحوّل إلى ميادين للطائفية والتعصب الأعمى.

لم يكن النجاح الذي حققته كرة السلة اللبنانية وليد الصدفة، بل هو ثمرة جهد رجالٍ آمنوا بالرياضة كرسالة. وفي هذا السياق، لا يمكننا إلا أن ننحني احترامًا لروح الأستاذ أنطوان شويري، الذي حمل هذه الرياضة على كتفيه، وأوصلها إلى مستوياتٍ عالمية. غير أن التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في تحقيق البطولات، بل في جعل الرياضة جسرًا لحماية الشباب من الأخطار المحدقة بهم، وسط عالمٍ يموج بالأزمات والمآسي.

لقد كتب الرسول بولس في رسالته إلى تيموثاوس: "فَالرِّيَاضَةُ الْبَدَنِيَّةُ نَافِعَةٌ بَعْضَ الشَّيْءِ، أَمَّا التَّقْوَى فَنَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ فِيهَا وَعْدًا بِالْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْآتِيَةِ" (1 تيموثاوس 4: 8). الرياضة، بلا شك، مفيدة للجسد، لكن وحدها التقوى تحصّن الإنسان بالكامل، فتحفظه من الانحرافات التي تهدّد مستقبله.

وهنا، لا يمكننا تجاهل الجرائم المروّعة التي وقعت مؤخرًا، حيث ذهب ضحيتها شبابٌ في مقتبل العمر بسبب العنف الأعمى والغضب المتفشي في القلوب، وما يسعى الشيطان إلى زرعه في النفوس من شرور. إنّ الرياضة، إن حُسنت ممارستها، يمكن أن تكون درعًا يقي الإنسان من الانجراف نحو الظلمة، إذ تساعده في ضبط مشاعره وإفراغ طاقته في منافسة شريفة بدل أن تتحوّل إلى أداة دمار.

ومع انطلاق بطولة لبنان لكرة السلة للدرجة الأولى، أتوجّه إلى رؤساء الأندية الرياضية، داعيًا إياهم إلى أن يكونوا أمناء على هذه الرسالة العظيمة. فالانتصار الحقيقي لا يكمن فقط في حصد الكؤوس، بل في ربح شبابنا الذين يعانون من أزمات متلاحقة، تهدد أحلامهم وتقوّض طموحاتهم. إنّ مسؤولية القائمين على الرياضة في لبنان ليست مجرد تحقيق الأرباح، بل بناء جيلٍ جديد يؤمن بالتنافس الشريف، وينظر إلى الرياضة كجسرٍ للمحبة، لا كحلبة للصراعات.

فلنجعل الرياضة مساحة للنور، لا ميدانًا للظلام، ولنتذكر دائمًا أن أعظم انتصار هو ذاك الذي يربح الإنسان، لا ذاك الذي يربح فقط الكؤوس والميداليات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق