إطلاق النار في الهواء.. بين المساءلة المجتمعية والمحاسبة القانونية

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إطلاق النار في الهواء.. بين المساءلة المجتمعية والمحاسبة القانونية, اليوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 03:11 مساءً

حنين الموسوي

إطلاق النار في الهواء.. ظاهرة موروثة في مجتمعنا في الأفراح كما في الأتراح، حيث تطلق الأعيرة النارية الحربية من رشاشات الكلاشنكوف و”M16″ وغيرها من الأسلحة الخفيفة، ويضاف إليها منكهات الـ “BKC” وغيرها من الأسلحة التي تعتبر من النوع المتوسط في اللغة العسكرية. وتقرن أحيانًا أخرى بقذائف صاروخية من نوع “RPG” المخصصة لاستهداف المدرعات والآليات العسكرية.

أما حياة المشاركين، سواء كانوا في زفاف أو خلال تشييع شخص إلى مرقده الأخير، فهي رهن بقدرة حاملي تلك الأسلحة المتنوعة على التحكم في بقاء أسلحتهم مرفوعة فوق الرؤوس. أما غير المشاركين، وضمن مدى تلك الأسلحة التي تصل أحيانًا إلى عدة كيلومترات، فهي تخضع لرحمتين:

الأولى: الابتعاد عن من يطلق النار.

الثانية: عدم وجودهم في نطاق سقوط رصاص وشظايا الصواريخ المتفجرة بفعل الجاذبية. ويوضع ضحايا تلك الحوادث في خانة “قضاء وقدر” الرصاص الطائش، بالإضافة إلى الخسائر المادية من ألواح الطاقة الشمسية وخزانات المياه وزجاج السيارات.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام أزمة ثقافية أم استفحال وباء اجتماعي؟

إطلاق النار جريمة ومظهر من مظاهر التخلّف

إطلاق النار في الهواء خلال الأفراح والأتراح يُعتبر جريمة مكتملة، كما يقول الدكتور في علم الاجتماع عاطف الموسوي لموقع المنار. وأضاف الموسوي قائلاً إن الأمم تتفاخر عادة بموروثاتها الفكرية والثقافية وتجد فيها إكسير غريزة حب البقاء، لتبقى حية على مر الدهور دون تردد في التنافس على المستويات المجتمعية والإقليمية والعالمية.

واعتبر الدكتور الموسوي أن مسؤولية الأمة هي الحرص على موروثاتها وثقافتها المتجذرة في أبنائها، وبناء شخصية إنسانية راقية لتضطلع بمهماتها ولتصبح نموذجًا في المجتمع، حاملة القيم والسلوكيات الإيجابية المرغوبة التي تمكّنها من المشاركة في نهوض بلدانها ورقيها.

وأضاف الدكتور الموسوي حول واقع بيئتنا الحالية أن الأفكار تتلاطم وتتسلل إلى الثقافة والموروثات مستحضرة إطلاق النار في الهواء تارة، والمفرقعات والألعاب النارية تارة أخرى، التي تحظى بتميّز منقطع النظير.

وأوضح الموسوي في إطار شرحه لأبعاد هذه الظاهرة، أن التفاخر والمباهاة بإطلاق تلك الأصوات الضخمة علامة من علامات الارتقاء والمكانة الاجتماعية لأصحاب المناسبة، بحيث يرونها فرصة للإعلان أمام الحاضرين والغرباء عن المناسبة أنهم أصحاب شكيمة وقوة، حتى ولو امتعض البعض وكال لهم أنواعًا متعددة من اللعنة والشتيمة. كما أنها تُسعد الكثيرين من شرائح المجتمع، حتى وإن أبدوا نكرانًا شكليًا بها، في ظل صمت شعبي وتقبل مجتمعي.

وأشار الموسوي إلى أننا أمام واقع أهوج يُفرض علينا، ويقبله المجتمع لا بل يُطري عليه، إلا أنه مظهر من مظاهر التردّي والتخلف الهمجي. وقال إن هذه المعضلة الأخلاقية والاجتماعية باتت حاليًا مهنة يحترفها مجموعات شبابية ملثمة يتقاضون آلاف الدولارات من أصحاب المناسبة لإطلاق تلك الأعيرة النارية بالأجرة.

من أَمِن العقاب أساء الأدب

واعتبر الموسوي أن التواطؤ الضمني المجتمعي يجعل من كل الإرشادات لزوم ما لا يلزم، وأن فن المراوغة يقدم الأحداث النارية بأنها نتيجة لمحبة الناس وعاطفتهم تجاه أصحاب المناسبة.

أما الحل، فهناك طريق واحد لا غير لمكافحة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة، تتمثل في حضور الأجهزة الأمنية والقضائية بفاعلية لمحاسبة المرتكبين بشكل جدي، وإلا ستستفحل أكثر وتهرق المزيد من الدماء البريئة المسفوكة دون وجه حق. وقال الموسوي في هذا السياق: “من أَمِن العقاب أساء الأدب، فاعتبروا يا أولي الألباب.”

وعن إجراءات المحاسبة والعقاب الذي يتلقاه مطلقو النار، توجه موقع المنار بالسؤال عن هذا الأمر إلى المحامي ياسر فوعاني، الذي أوضح أنه على الرغم من الإجراءات والتحذيرات التي قامت بها قوى الأمن الداخلي والتوقيفات التي طالت عدة أشخاص بسبب إطلاق النار في الهواء، لا يزال مجتمعنا مبتلى بهذه الظاهرة.

وأشار فوعاني إلى قانون رقم 71 الذي أصدره المشرع اللبناني في العام 2016 وجعل فيه عقوبة إطلاق النار في الهواء الحبس، وتتراوح من 6 أشهر كحد أدنى لتصل إلى 3 سنوات كحد أقصى.

بالإضافة إلى السجن، ينص القانون اللبناني على فرض غرامة مالية على مطلق النار تتراوح بين 8 أضعاف الحد الأدنى للأجور لتصل إلى 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور، وأوضح فوعاني أن الغرامة نفسها إن كان إطلاق النار من سلاح مرخص أو غير مرخص، مشيرًا إلى أن الرخصة تسحب من مطلق النار ويمنع من استصدار رخصة أخرى مدى الحياة.

أما العقوبة الأقسى والأخطر فهي إذا أدّى إطلاق النار إلى موت أحد الأشخاص، فتكون العقوبة عبارة عن أشغال شاقة تتراوح مدتها بين 10 سنوات كحد أدنى لتصل إلى 15 سنة كحد أقصى، مشيرًا إلى أن الغرامة المالية في هذه الحالة تتراوح بين 20 ضعف الحد الأدنى للأجور لتصل إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور.

ليس المطلوب إلغاء الغريزة الاجتماعية بالتفاخر، وإنما من الممكن توجيهها إلى التبرع بتزفيت طريق في القرية أو المساهمة في توصيل مياه الشرب إلى حي المرحوم المتوفى. قديمًا كانت تقام سبل للمياه على الطرقات عن روح المرحوم، وبذلك ترافق الرحمة والتفاخر معًا زمنًا طويلاً في الحياة الاجتماعية. أما اليوم، فإن الناس باتت تخشى المشاركة في التشييع وتكيل مختلف أنواع اللعنات على أهل الفقيد، فهل من معتبر؟

المصدر: موقع المنار

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق