بورتريه: شكري بلعيد... الزعيم

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بورتريه: شكري بلعيد... الزعيم, اليوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 01:29 مساءً

بورتريه: شكري بلعيد... الزعيم

نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 04 - 02 - 2025

2342917
ابتداء من اللحظة التي استشهد فيها شكري بلعيد سيتسلل تاريخ جديد من رماد احتراق سردية المحرقة الإخوانية.
بل إن المعادلة برمتها التي جاء بها الربيع العبري ستدخل ابتداء من 6 فيفري 2013 في مرحلة «الوقت بدل الضائع» حيث أن الرصاصات الأربعة التي استقرت في جسد الزعيم الوطني شكري بلعيد ذات شتاء قبيح تعفنت سحبه الداكنة برائحة الإفك والنفاق قد أيقظت شعبا بأسره أدرك لتوّه أن الذين «يخافون الله» مجرّد حفنة من اللصوص ومصاصي الدماء.
وعندما يستيقظ الشعب التونسي سيستفيق ضمير الانسانية فالبلد الصغير بجغرافيته قدّر له أن يكون المعدل والمحرار الذي تقاس عليه أوضاع الإقليم وتفاعلات الصراع الأزلي بين الشرق والغرب.
وبالفعل شكلت لحظة اغتيال شكري بلعيد منعطفا حادا وطنيا وإقليميا ودوليا حيث لم يتأخر التغيير كثيرا في مصر المحروسة وتمكنت روسيا من استرجاع سيادتها على شبه جزيرة القرم دون أن يحرّك الغرب الجماعي ساكنا لأنه كان واقعا تحت تأثير صدمة ارتداد أجندا الربيع العبري التي كانت طورا متقدما في نظرية «تقسيم المقسم» بعد أن كشفت تونس بالذات الدور الوظيفي للإخوان في إفساد المجتمعات وتفكيك الدول الوطنية لحساب هذه الأجندا التي تتجاوز في أبعادها وغاياتها الأنماط التقليدية للاستعمار لتشكل مشروع «استعباد» يمثل نقطة التمفصل بين الحركتين الإخوانية والصهيونية اللتين انبثقتا عن العقل البريطاني الفاسد والخبيث.
والواضح أن مشروع الاستعباد قد تجسّد بوضوح في جريمة اغتيال الزعيم شكري بلعيد حيث استهدفت الرصاصات التي أطلقها الجناة مقومات «الحرية» الأربعة وهي العقل المرادف للفكر المتحرّر والحنجرة المعبرة عن حرية التعبير والقلب المجسّم للحس الانساني والساعد بوصفه رمز التعويل على الذات بكل ما يختزله من أنفة وعزة ورفض متأصل لكل أشكال الاستعلاء.
والواضح أيضا أن مسار حياة شكري بلعيد قد جعل منه رمزا للتحرّر والمقاومة فقد سرت في شرايينه دماء الوطنيين الأبرار الذين صاغوا ملحمة التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي واللاءات العربية الثلاثة التي انبثقت عن قمة الخرطوم عام 1971 وأعادت الأمل للأمة بعد نكسة الرابع من جوان 1967 مرسخة بذلك خط النضال التراكمي الذي كان ولايزال يدور حول الحق الفلسطيني.
وبالمحصّلة كانت شخصية بلعيد مفترقا تلتقي فيه تفاعلات قوية تراوح بين الأنا والوطن والأمة في ظرفية تاريخية حبلى بالتحولات والمنعرجات مما جعل منه متقدما على جيله فقد كان يرفع على الأعناق ليشبع توق طلبة الجامعات الجارف لكسر أغلال الاستعمار الثقافي وامتداداته في الداخل وهو لا يزال تلميذا في «معهد الوردية» لدرجة أن المنظومة التي كانت تحكم آنذاك لم تقدر على تحمّله فآثر الرحيل إلى عمان الأردنية ومنها إلى العراق التي كانت جبلا شامخا في عهد الزعيم الراحل صدام حسين قبل أن يفتك بها الفيروس الصهيوفارسي متدثرا بديمقراطية زائفة جاء بها قائد الجيش الأمريكي آنذاك «بول بريمر» على ظهر الدبابات ومختزلا جوهر «عالم الشرطي الاوحد» الذي شكل ذروة عصر الهمجية وجسّد بكل وضوح استعداء الماسونية العالمية للحضارة.
وعندما وصل شكري بلعيد إلى العراق حيث درس الحقوق كان اسمه قد سبقه إليها فقد كان أول من يحرق علم الولايات المتحدة الأمريكية إبان قيام حرب الخليج الثانية التي برغم المآسي والآلام التي تسببت فيها فقد رسمت بشكل جلي حدود التماس بين أحرار العرب وعملائهم ولا سيما الأنظمة الرجعية الخليجية التي ستبين الأحداث لاحقا أنها جزء لا يتجزأ من المعادلة التي أنشأها وعد بلفور ومخطط سايكس بيكو لتقسيم المشرق العربي لدرجة أن العرب لاحوا مختلفين جوهريا حول العروبة عندما قام طوفان الأقصى في خريف 2023.
وبالنتيجة شكل هذا المسار بالتراكم شخصية متشبعة بفكر التحرر والمقاومة وذات حسّ سياسي عميق فقد كان شكري بلعيد يدرك جيدا أين يكمن الخطر وهو ما جعله يقف سدا منيعا أمام المشروع الرجعي الاستعماري الإخواني في ظرفية استثنائية كان الشعب التونسي خلال واقعا تحت تأثير صدمة حضارية عنيفة ويتطلع إلى زعيم يمد له يده لينتشله من مستنقع الظلام والحيرة والاحساس بالعجز.
وبالفعل فقد تمكّن الزعيم شكري بليعد بفضل ما تتحلى به شخصيته من صدق واتساع أفق التفكير وطلاقة اللسان من تحقيق الصدمة المضادة وخلق تعبئة وطنية شاملة ضد المشروع الاستعماري الإخواني وهو ما شكل بكل المقاييس زلزالا في ظرفية كان خلالها سفراء الحركة الصهيونية يرتعون في البلاد بالطول والعرض راسمين حدودا لا يجدر تجاوزها لكل الأطراف السياسية في نطاق الحرص على تثبيت معادلة «اتفاق باريس» القائمة على تقاسم الغنيمة بين زعماء تحالف «الإرهاب والمافيا» وذلك بهدف تمزيق الدولة والمجتمع لحساب مشروع «الضيعة الاسرائيلية».
لكن باغتيال شكري بلعيد خسر التحالف الإخواني الصهيوني أهم أسلحته «التضليل والترهيب» فابتداء من تلك اللحظة سيتحطم حاجز الخوف وتتكشف خيوط المؤامرة أمام الشعب التونسي الذي سيدخل في مرحلة صراع مرير لاستعادة كرامته وسيادته تواصل نحو ثمانية أعوام إلى حين إسقاط حكم الإخوان في جويلية 2021 الذي كان حدثا مفصليا ساهم بشكل فاعل في تسريع موجة التحرر الانساني في العالم بأسره وكأن التاريخ يعيد نفسه حيث أن أحداث ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري 1958 أنتجت بدورها تحولات جيوستراتيجية عميقة من أهمها سقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا وتسارع موجة الانعتاق من الاستعمار الأوروبي في افريقيا وهو ما يدلل بكل وضوح قوة تأثير تونس في محيطها فكلما ارتفع منسوب السيادة في تونس تحرّك الإقليم والعالم.
وبالمحصّلة ستثبت وقائع ما بعد فيفري 2013 أن الزعيم شكري بلعيد لا يزال يؤثر بقوة في فكر ووجدان الشارع التونسي والعربي فيما يلقي التاريخ بقتلته تباعا في غياهب النسيان تماما مثل سائر رموز التحرر في العالم من «تشي قيفارا» وجورج حبش إلى فرحات حشاد لأن المرجعية ذاتها صراع بين الحق والباطل وبين الحقيقة والتضليل.
الأولى

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق