انتخابات 2026 في المضيق الفنيدق بين تحديات البطالة ورؤية ملكية لبناء مستقبل مستدام

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انتخابات 2026 في المضيق الفنيدق بين تحديات البطالة ورؤية ملكية لبناء مستقبل مستدام, اليوم الجمعة 31 يناير 2025 04:44 مساءً

تُعد الانتخابات التشريعية والجهوية لعام 2026 في المملكة المغربية محطة هامة في مسار ترسيخ الديمقراطية وتعزيز التنمية المحلية، إذ تأتي هذه الانتخابات في سياق سياسي واقتصادي حساس، حيث تواجه البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية ناتجة عن التحولات الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار، يبرز إقليم عمالة المضيق الفنيدق كمسرح سياسي حيوي يترقب فيه المواطنون تحولًا جذريًا في المشهد السياسي.

تعكس هذه الانتخابات رهانات كبيرة، إذ يسعى الفاعلون السياسيون إلى تحقيق توازن بين الاستجابة لتطلعات المواطنين وإثبات قدرتهم على تحقيق تنمية شاملة، فالمشهد السياسي في عمالة المضيق الفنيدق يشهد منافسة حادة بين أحزاب سياسية تمتلك حضورًا قويًا وشخصيات بارزة لها وزن سياسي واجتماعي مهم، بعض هذه الشخصيات يمثل وجوهًا تقليدية حافظت على نفوذها بفضل ولاء قواعدها الشعبية، بينما تحاول أخرى تقديم كفاءات جديدة قادرة على إحداث تغيير فعلي.

رغم الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات الاجتماعية، لا تزال المنطقة تعاني من مشكلات اقتصادية ملحة، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الأنشطة السياحية والتجارية، ففي إقليم المضيق الفنيدق، تشهد معدلات البطالة نموًا مقلقًا، حيث بلغ معدل البطالة في المغرب عام 2025 نسبة 11.9%، في حين أن معدل البطالة بين الشباب قد تجاوز 27%، أما في إقليم المضيق الفنيدق، فتعرف هذه النسب ارتفاعًا ملحوظًا بسبب قلة المشاريع المدرة للدخل وقلة الفرص الاقتصادية على مدار العام، إذ يعتمد الكثير من السكان في المنطقة على موسم الصيف فقط لتأمين مصدر دخلهم، مما يبرز هشاشة الاقتصاد المحلي وضعف الاستثمارات المدرة للدخل المستدام.

إضافة إلى ذلك، كان العديد من سكان المنطقة يعتمدون على "التهريب المعيشي" عبر سبتة المحتلة كمصدر رئيسي للرزق، لكن مع الإجراءات المتخذة للحد من هذا النشاط، خاصة بعد إغلاق المعابر وتزايد التشديدات الأمنية والإجراءات الصارمة، يجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة صعوبات اقتصادية أكبر، كما أن مهنة البناء كانت من المهن التقليدية التي توفر فرص عمل لأبناء المنطقة، إلا أن هذه الحرفة تم تطويقها بشكل متزايد لصالح المستثمرين العقاريين والمشروعات الكبرى، مما أدى إلى تراجع فرص العمل للبسطاء في هذا المجال.

في الوقت الذي استفادت فيه الشركات الكبرى من الأراضي المجاورة لتوسيع مشاريعها العقارية، وجد العديد من العمال في قطاع البناء أنفسهم عاطلين، يواجهون طوابير البطالة والفقر، ورغم إطلاق عدد من المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسكان، تظل هذه المشاريع ضعيفة التأثير في معالجة الأزمة الاقتصادية العميقة في المنطقة.

ورغم أن القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات المحلية يُعتبر أحد الأسس القانونية لإدارة وتسيير الانتخابات المحلية، إلا أنه يحتوي أيضًا على بنود تتعلق بنشاطات البناء والمشاريع التنموية، حيث يُلزم هذا القانون المجالس الجماعية بالمساهمة في تنظيم المشاريع المحلية التي تشمل البنية التحتية مثل الطرق والمساكن، كما يضع آليات للتنسيق بين القطاعين العام والخاص لضمان تخصيص أراضٍ للمشاريع العقارية والسكنية، مما يعني أن القانون يشدد على ضرورة أن تتم مشاريع البناء بشكل يضمن استفادة جميع الفئات الاجتماعية من الفرص المتاحة، ويحظر استغلال الأراضي والمشاريع لصالح فئة معينة فقط.

إضافة إلى ذلك، يُخول لرئيس الجماعة بموجب هذا القانون منح رخص البناء والتجزئة والتقسيم وفقًا للشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة المعمول بها، كما يتولى رئيس الجماعة مراقبة البنايات المهملة أو المهجورة أو الآيلة للسقوط، واتخاذ التدابير الضرورية بشأنها، حيث يُشدد القانون على ضرورة احترام ضوابط تصاميم إعداد التراب ووثائق التعمير، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان تطبيقها، بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة للسكان وتسهيل إجراءات هذه المساطر على حد سواء.

في مارس 2024، صادقت اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية على 24 مشروعًا بتكلفة إجمالية تجاوزت 15 مليون درهم، شملت برامج تدارك الخصاص في البنيات التحتية، ومواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، وتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، كما تم تخصيص أكثر من 186 مليون درهم لتمويل 410 مشاريع أخرى بين عامي 2019 و2023، إلا أن هذه المشاريع تبقى محدودة التأثير مقارنة بزيادة أعداد البطالة، إذ تزايدت أعداد العاطلين عن العمل والمحتاجين مع تدهور القطاعات الاقتصادية التقليدية، ومع استمرار الضغوط الاقتصادية وتزايد أعداد الوافدين إلى المنطقة، لم تنجح هذه البرامج في تحقيق استقرار اقتصادي مستدام أو توفير فرص عمل كافية للسكان المحليين.

إزاء هذه التحديات، يبقى جلالة الملك محمد السادس نصره الله رائدًا في تعزيز التنمية المستدامة في مختلف أرجاء المملكة، حيث أولى عناية خاصة بمنطقة المضيق الفنيدق ومرتيل باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية التنمية الشاملة التي يقودها الملك، إذ يُظهر جلالته من خلال رؤيته الاستراتيجية اهتمامًا عميقًا بهذه المنطقة ويوليها دعمًا متواصلًا عبر مشروعات تنموية تهدف إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، كما أن اهتمام جلالة الملك بالمنطقة لا يقتصر فقط على البعد التنموي، بل يتعداه إلى تعزيز العيش الكريم للمواطنين وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

في عام 2010، أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله انطلاقة مشروع "تطوان شور" في مدينة مرتيل، الذي يهدف إلى استقطاب خدمات "الأوفشور" وتوفير عشرة آلاف وظيفة في مختلف القطاعات، ورغم أن المشروع كان يهدف إلى توفير فرص عمل كبيرة، إلا أن التقارير المتاحة لا تشير إلى تحقيق هذا الهدف بشكل كامل، إضافة إلى ذلك، كان يُنتظر من منطقة "حيضرة" في مدينة الفنيدق، التي تم إطلاقها في ديسمبر 2021، أن تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للسكان من خلال توفير فرص عمل جديدة، ولكن المشروع لم يحقق الأهداف المرجوة منه، وبالرغم من إطلاق هذه المشاريع، إلا أنها لم توفر فرص شغل كافية للسكان المحليين، مما يطرح تساؤلات حول مدى التزامها بدفاتر التحملات وأهدافها التنموية.

وفي ظل هذا الواقع، يبقى الأمل في أن تقدم الانتخابات المقبلة فرصة حقيقية لتطوير خطط وبرامج جديدة تتماشى مع احتياجات المنطقة الحقيقية، وتستجيب لمطالب المواطنين في خلق فرص عمل حقيقية وتنمية مستدامة.

تشكل انتخابات 2026 فرصة لإحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي بعمالة المضيق الفنيدق، حيث يُنتظر أن تؤدي إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية بناءً على معايير الكفاءة والقدرة على تحقيق التنمية المحلية، كما تُعتبر هذه الانتخابات فرصة مهمة لبناء خطة تنموية جديدة تأخذ بعين الاعتبار تطلعات المواطنين من مختلف الفئات، خاصة في ظل احتضان المغرب لمونديال 2030، الذي سيسهم في تعزيز البنية التحتية الاقتصادية والرياضية في العديد من المناطق، بما في ذلك إقليم المضيق الفنيدق ومرتيل، ويبقى التحدي الأكبر هو قدرة الفاعلين السياسيين على تقديم برامج واقعية تستجيب لتطلعات المواطنين وتعزز الثقة في العملية الديمقراطية، فالنجاح في هذا الاستحقاق سيعكس نضج التجربة الديمقراطية المغربية ورغبة الشعب في تحقيق مستقبل أفضل مبني على أسس التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

هفتي ضرار، باحث في القانون العام

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق