نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : ولّى زمن النكبة... حلّ زمن العودة, اليوم الثلاثاء 28 يناير 2025 11:49 مساءً
نشر في الشروق يوم 28 - 01 - 2025
ولّى زمن النكبة وحلّ زمن العودة.. في لوحة منعشة رسمها أبناء غزة العزة بتلقائيتهم عادت ذاكرة التاريخ حوالي 80 سنة إلى الوراء. عام 1947 1948 وحتى ما قبله وما بعده كانت قطعان الصهاينة بتواطؤ من المحتل الانقليزي وبدعم غربي سخيّ ولا محدود تقتلع أبناء القرى والبلدات والمدن الفلسطينية من أرضهم لتلقي بهم على دروب التيه والضياع.. وليستقر المقام بمئات الآلاف من أبناء فلسطين في المنافي والمخيمات على أمل عودة وشيكة إلى ديارهم.. لكن غطرسة الصهاينة وحقد الغرب وضعف العرب شرعوا أبواب فلسطين التاريخية على مصراعيها للاحتلال الصهيوني ليتمدد ويتمطط عل كامل أرض فلسطين.
وعلى مدى عقود التيه الطويلة لم ينس أبناء الشعب الفلسطيني تلك المشهدية المروعة التي عاشها الآباء والأجداد.. وهم يمضون في أمواج بشرية هائلة نحو المجهول في مخيمات ومنافي الشتات بل إن الكثير من أبناء فلسطين لا يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم ويورثونها من جيل إلى جيل لتبقى جذوة العودة مشتعلة وليبقى حلم العودة قائما وليبقى أمل العودة حاضرا.
ولأن أبناء الشعب الفلسطيني تعلموا من دروس الماضي فإنهم رفضوا أن يعيد التاريخ نفسه. ورغم قصف الصهاينة ورغم الإبادة ورغم الدمار ورغم هيستيريا نتنياهو وفريق المتطرفين الذين يحكمون الكيان الصهيوني.. ورغم انحياز أمريكا الأعمى ورغم تواطؤ بايدن ومخاتلات ترامب ورغم الضياع وغياب أدنى مقومات العيش الكريم الذي يليق ببني البشر... رغم كل هذا ورغم ضغوط آلة الحرب الصهيونية التي ظلت تتقاذفهم من مربع في قطاع غزة الضيق إلى مربع آخر أضيق منه يكتم حتى الأنفاس فإنهم رفضوا الرحيل عن أرضهم، وأبانوا عن حسّ وطني فريد وعن إدراك كامل لأبعاد المؤامرة التي خطّط من خلالها الصهاينة لاقتلاعهم من أرضهم والقذف بهم في هجرة جديدة وفي رحلة تيه جديدة وفي تغريبة جديدة..
ومع أولى ساعات وقف العدوان كان مئات آلاف الفلسطينيين يتدفّقون على طرق العودة بعد أن أدركوا أن مؤامرة نتنياهو سقطت وأنه أجبر بتصميمهم وبتصميم رجال الله في المقاومة على تجرّع كأس الهزيمة والانكسار.. وبذلك فقد رسموا لوحة جديدة بمشهد طوابير أمواج بشرية هادرة وهي تندفع على طرق العودة الى مدن يعرفون أنها مدمرة والى ديار يعرفون أنهم لن يجدوها والى ذكريات يعرفون أنها دفنت تحت قنابل وصواريخ الصهاينة وتحت دبّاباتهم وآلياتهم الحربية. ومع ذلك فقد أصرّوا على رسم لوحة العودة الصغرى في انتظار العودة الكبرى.
لقد رسم أبناء الشعب الفلسطيني، شعب الجبّارين لوحة معاكسة عمّدوها بمداد الإصرار على العودة والتمسك بالأرض بعد أن ضحوا لأجلها وسقوها بدمائهم وبصبرهم وبمعاناتهم.. ومشهد العودة هذا هو عبارة عن سفر في المستقبل.. سفر يطوي الزمن والمسافات ويقذف بملايين الفلسطينيين على دروب العودة إلى بلادهم وإلى أرضهم وإلى مساكنهم التي يحتفظون بمفاتيحها.. وبإصرار الرجال وبصبر أهل الرباط وبوعي أبناء فلسطين سيعرف شعب الجبّارين كيف يتخلّص من الاحتلال وكيف يعبّد طريق العودة إلى فلسطين.. فالكيان الصهيوني يترنّح وظهرت عليه الكثير من علامات الهزيمة والانكسار.. وغطرسة أمريكا والغرب ليست أزلية.. وضعف العرب وانكسارهم وتواطؤ بعضهم مع المحتل ليس أبديّا.. وغدا تشرق شمس الحرية وتنكسر أصفاد الاحتلال وينتصر الدم على السيف وتندفع الطوابير في رحلة العودة إلى الوطن.. وغدا يرفع فتى فلسطيني أو فتاة فلسطينية علم فلسطين على أسوار القدس وعلى مآذن القدس وعلى كنائس القدس كما تنبّأ بذلك الشهيد الرّمز ياسر عرفات.
عبد الحميد الرياحي
.
0 تعليق