مع التطور المستمر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الجيل الخامس (5G)، وإنترنت الصناعة، يشهد قطاع التصنيع العالمي تحولا متسارعا نحو الرقمنة والذكاء، حيث تعد "مصانع المنارة" النموذج الأمثل لتطبيقات تقنيات "الصناعة 4.0"، باعتبارها أعلى مستويات التصنيع الذكي والرقمنة في العالم.

وأعلن المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخرا عن أحدث قائمة لمصانع المنارة، والتي ضمت 17 عضوا جديدا، حيث نجح مصنع "سيتك ديكا" التابع لمجموعة "سيتك" المغربية في الانضمام إلى القائمة، ليصبح بذلك أول مصنع منارة في إفريقيا، ما يعكس تطور التعاون بين الصين والمغرب في إطار مبادرة "الحزام والطريق".

ويقع مصنع "سيتك ديكا" في المنطقة الحرة بالقنيطرة، حيث يمتد على مساحة تقارب 25.33 هكتارا، ويضم ثلاث مراحل صناعية تشمل إنتاج عجلات الألمنيوم (المرحلتين الأولى والثانية) ومسبوكات الألمنيوم (المرحلة الثالثة)، بطاقة إنتاجية تبلغ 6 ملايين عجلة ألمنيوم و5 ملايين قطعة من مسبوكات الألمنيوم، مما يجعله أكبر مشروع استثماري بين الصين والمغرب منذ إقامة شراكتهما الاستراتيجية.

ورغم أن القارة الإفريقية تواجه تحديات تتعلق بضعف البنية التحتية الصناعية، ونقص الكفاءات التقنية، وندرة الموارد التكميلية، فقد تمكن مصنع "سيتك ديكا" من اجتياز عملية الاعتماد كمصنع منارة في غضون ثمانية أشهر فقط، مما يؤكد نجاح "النموذج الصيني" في التحول الصناعي وفعاليته وقابليته للتطبيق على نطاق عالمي.

ويعتمد مصنع "سيتك ديكا" في المغرب على التكامل العميق بين تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) والبيانات الضخمة في مختلف مراحل الإنتاج، حيث تطبق الأنظمة الذكية والرقمية بشكل مكثف، ما جعل عمليات التحليل، واتخاذ القرار، والتكيف، والتعلم الذاتيين جزءا أساسيا من سير العمل اليومي، ما يضمن استمرارية التصنيع بكفاءة واستقرار وذكاء عال.

ويخضع كل عنصر في عملية الإنتاج - بدءا من اختيار المواد الخام وصولا إلى تغليف المنتج النهائي - لمراقبة وتحكم دقيقين عبر أنظمة ذكية تقوم بالتعديل الفوري والتشغيل بكفاءة عالية، حيث يمهد الاتصال الذكي في المصنع الطريق أمام ثورة في التصنيع الذكي داخل إفريقيا.

وأشاد المنتدى الاقتصادي العالمي بمصنع "سيتك ديكا" مشيرا إلى أن توجه الصناعة نحو "التخفيف من الأعباء" يعيد تشكيل قطاع السيارات عالميا، وهو ما تجسد في اعتماد المصنع على 40 تقنية رقمية متقدمة، تضمنت استخدام خوارزميات متطورة في عمليات الصب والتصنيع، واعتماد أنظمة فحص بصري معززة بالذكاء الاصطناعي، وتحسين ضبط العمليات الإنتاجية لمواجهة تقلبات جودة الغاز الطبيعي في الأفران.

وشهد المصنع المذكور بفضل هذه التحسينات، زيادة في كفاءة المعدات التشغيلية بنسبة 17%، وتحسنا في إنتاجية العمال بنسبة 27%، مع انخفاض معدل العيوب في المنتجات بنسبة 31.1%، حيث أكد رئيس مصنع "سيتك ديكا"، أن مشروع مصانع المنارة "ساعد الشركة على تنفيذ المزيد من الحلول الرقمية والذكية، مما انعكس بالإيجاب على سلاسل التوريد في المغرب وإفريقيا".

ولا يقتصر تميز المصنع على الذكاء الصناعي فحسب، بل يمتد أيضا إلى الاستدامة البيئية، حيث حرصت الإدارة على دمج مبادئ ترشيد الطاقة وتقليل الانبعاثات في جميع مراحل الإنتاج، بما يتماشى مع الظروف البيئية والبنية التحتية الفريدة في إفريقيا.

ويعتمد المصنع على تحليل البيانات الضخمة في الوقت الفعلي لجمع معلومات استهلاك الطاقة، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء، وتطبيق خوارزميات ذكية لإيجاد حلول مبتكرة، مما أدى إلى خفض الانبعاثات المباشرة (النطاق 1) وغير المباشرة (النطاق 2) بنسبة 53%، كما ساهم المصنع في حل مشكلات ندرة الألمنيوم المعاد تدويره والتقلبات الحرارية للغاز الطبيعي، مما عزز الكفاءة الإنتاجية الخضراء.

ويعد مصنع "سيتك ديكا" أول مصنع في إفريقيا يحصل على شهادة PAS 2060 للحياد الكربوني من مجموعة Bureau Veritas، كما تعاون المصنع مع المعهد المغربي للتقييس لوضع معايير وطنية مغربية لسلاسل التوريد الخضراء والمصانع الصديقة للبيئة، مما أسهم في دفع عجلة التحول الصناعي الأخضر في المغرب، وهو الأداء الذي توج بجائزة "التحول الصناعي الأخضر" المغربية في يوليو 2024.

وإلى جانب مساهمته في خلق أكثر من 1800 فرصة عمل محلية، يولي المصنع اهتماما خاصا بتنمية المهارات البشرية وتعزيز قدرات العمال المغاربة، حيث أطلق مبادرات تدريبية متقدمة، ونظم برامج تبادل وخبرات مهنية بين الموظفين المغاربة والصينيين، كما أنشأ "ورشة العمل الصينية" في المغرب، لتبادل الخبرات في مجال التقنيات التصنيعية والإدارة الحديثة.

ومن بين العمال المغاربة الذين خضعوا للتدريب في الصين، تخرج أكثر من 60 موظفا كقادة صناعيين، بينما تمت ترقية أكثر من 10 أفراد إلى مناصب إدارية.

وأعرب رئيس مصنع "سيتك ديكا" عن فخره بإنجازات المصنع قائلا: "نحن أول شركة تقوم بسبك وإنتاج عجلات الألمنيوم وقطع الغيار في المغرب، ونعمل مع الجامعات لتوظيف المهندسين، ونتعاون مع الموردين المحليين لدفع عجلة تطوير منظومة صناعية متكاملة لصناعة الألمنيوم في المغرب وإفريقيا".