نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إصلاحات مدونة الأسرة: بين ثوابت الشريعة الإسلامية ومتطلبات العصر الحديث, اليوم الثلاثاء 7 يناير 2025 04:42 مساءً
فاطمة الزهرة أشفاج
تعتبر الإصلاحات القانونية المتعلقة بـمدونة الأسرة علامة فارقة في مسار التجديد والتحديث، من خلال ملاءمته مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع من جهة، والالتزام بالثوابت الدينية والثقافية التي تشكل هوية الأمة من جهة أخرى. وقد جاء هذا الإصلاح استجابة للتوجيهات الملكية السامية التي أكدت على ضرورة التوفيق بين مقتضيات الشريعة الإسلامية ومتطلبات العصر. حيث شدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة على أن الإصلاحات المتعلقة بمدونة الأسرة يجب أن تظل متمسكة بالثوابت الدينية، كما ورد في نص الخطاب الملكي: "لا يمكنني أن أحل ما حرمه الله وأحرم ما أحله". هذا ما يعكس التزام جلالته بالمقاصد السامية للشريعة الإسلامية، وفي الوقت ذاته، حرصه على إحداث إصلاحات قانونية تواكب تطورات العصر وتستجيب لحاجات المجتمع. كما أشار جلالته إلى أن هذه الإصلاحات ليست انتصارًا لفئة معينة، بل هي مكاسب تصب في صالح الجميع، سواء لتحسين وضع المرأة أو حماية حقوق الأطفال أو ضمان استقرار الحياة الأسرية.
وفي ضوء هذه التوجيهات، تم اقتراح مجموعة من التعديلات في إطار مراجعة مدونة الأسرة، من أبرزها، إيقاف تضمين بيت الزوجية في التركة وهو ما يعكس اهتمام المشرع بضمان استقرار الأسرة، حيث يولي أهمية خاصة لحمايتها من التفكك والتعرض للضياع، من خلال ضمان استمرار وجود منزل الزوجية، مما يساهم في توفير بيئة مستقرة للأطفال ويحول دون تعرضهم للضغوط النفسية والاجتماعية بعد فقدان الأب أو الأم.
أما فيما يخص الحضانة، فقد تم التأكيد على استمرار حق الأم في حضانة أولادها حتى بعد زواجها مجددًا، وهو ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية التي تضع مصلحة الطفل في المقام الأول، حيث تعطي الأولوية للأم في رعاية الأطفال في سن مبكرة، ويعكس هذا المقترح تفعيلا لمبدأ العناية بالطفل وضمان استمرارية الرعاية الأسرية.
وفيما يتعلق بمسألة التعدد يمكن اعتبار هذه التعديلات خطوة إيجابية نحو تحقيق التوازن بين حقوق الزوجين وضمان العدالة في العلاقة الزوجية من خلال الزامية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج بشأن اشتراطها عدم التزوج عليها، على أن يُذكر هذا الشرط في العقد بشكل واضح. وفي حال اشتراط الزوجة عدم التعدد، يُلزم الزوج بعدم التزوج عليها وفاءً بهذا الشرط، ما يعزز مبدأ الشفافية والمساواة بين الزوجين، مع احترام إرادة الزوجة وحقها في اتخاذ قرارات تؤثر على حياتها الزوجية، كما أن التنصيص على هذا الشرط في العقد يُعد ضمانًا قانونيًا لها.
أما فيما يتعلق بالاستثناءات التي تتيح التعدد، فإن حصر هذه الاستثناءات في حالات محددة، مثل العقم أو المرض المانع من المعاشرة الزوجية أو الحالات الأخرى التي يقدّرها القاضي بناءً على معايير قانونية دقيقة، يعكس ذلك التزامًا بمبادئ العدالة ويمنع إساءة استخدام الحق في التعدد ويحد من التفريط في حقوق الزوجة الأولى مما يعزز استقرار العلاقات الأسرية ويحافظ على حقوق جميع الأطراف، الأمر الذي يتماشى مع الشريعة الإسلامية التي تشدد على العدل بين الزوجات، وتحظر التعدد إذا لم يتوفر هذا الشرط، لقوله سبحانه وتعالى : }فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة... {[سورة النساء :الآية 3].
وبالنسبة لموضوع النفقة، فقد تم التأكيد على وجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، حيث يُعتبر حقًا للزوجة يترتب على الزوج من لحظة العقد عليها، فهذا التعديل يساهم في تحديد المسؤوليات المالية بشكل واضح بين الزوجين، مما يعزز استقرار الأسرة ويقلل من النزاعات المالية التي قد تنشأ في المستقبل.
وسعيًا من المشرع في تعزيز مبدأ التعاون المالي بين الزوجين، تم اقتراح جعل ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة بينهما ديونًا مقدمة على غيرها، بهدف تقوية العلاقة المالية بين الطرفين وضمان الحقوق المتبادلة بينهما. من خلال هذا التعديل، يلتزم الزوجان بمسؤوليات مالية مشتركة، مما يساهم في استقرار الحياة الزوجية ويحد من النزاعات المالية المحتملة.
أما فيما يخص اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية هذا التوجه يعكس الاعتراف بالدور الحيوي الذي تلعبه الزوجة في الأسرة، ومع ذلك، ينبغي أن يتم هذا التقدير بطريقة تضمن العدالة والاحترام المتبادل بين الزوجين، لتجنب أي استغلال أو ظلم لطرف من الأطراف، حيث يُحترم دور كل طرف وتُقدّر مساهماته، سواء كانت مادية أو غير مادية، لضمان بناء علاقة صحية ومتوازنة تضمن حقوق كل طرف وتدعم استقرار الأسرة.
كما نصت التعديلات على إحداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة الامر الذي يمثل خطوة حاسمة في الحد من تزايد قضايا المنازعات الأسرية أمام المحاكم، حيث تتيح هذه الاخيرة للزوجين فرصة لتسوية نزاعاتهما بشكل ودي بعيدًا عن الإجراءات القضائية، ما يخفف العبء على النظام القضائي ويسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. اذ تتمثل أهمية هذا المقتضى في تركيز الهيئة على محاولة الإصلاح بين الزوجين أولًا، مما يعزز فرص الحفاظ على العلاقة الزوجية من خلال الحوار والوساطة، علاوة على ذلك، تسهم الهيئة في التوفيق بين الزوجين فيما يترتب عن الطلاق من آثار. لكن، نجاح هذه الهيئة يعتمد بشكل كبير على الموارد المتوفرة لها، سواء من حيث تدريب الوسطاء أو توفير الدعم اللوجستي الكافي، ما قد يشكل تحديات في حال غياب هذه الموارد أو عدم كفايتها، وبالتالي تصبح فعالية الهيئة رهينة بتوافر هذه العوامل الأساسية.
وفي الختام، يمكننا القول بأن الإصلاحات المقترحة على مدونة الأسرة تمثل خطوة هامة نحو مواكبة التغيرات المجتمعية وتطوير النظام القانوني بما يتناسب مع مغرب اليوم. وبالرغم من استعراض أبرز التعديلات التي تم إدخالها على مدونة الأسرة، إلا أن هناك جوانب أخرى قد تكون محل نقاش لم يتسنى لنا التطرق إليها في هذا السياق، فهذه الإصلاحات تظل جزءًا من عملية مستمرة تهدف إلى تعزيز حقوق المرأة وحماية حقوق الأطفال، والمحافظة على كرامة الرجل، مع ضرورة الالتزام بالثوابت الدينية، بما يسهم في تحقيق العدالة والاستقرار الأسري في ظل التطورات الاجتماعية المستمرة.
0 تعليق